في تطور لافت يعكس عمق الأزمة التي يعيشها النظام المصري، تصاعدت في الآونة الأخيرة وتيرة تسريب فضائح مالية وأخلاقية لقادة عسكريين بارزين، مما أثار تساؤلات حول من يقف وراء هذه الحملة، وما هو توقيتها وأهدافها. التحليل العميق للمشهد يشير إلى أن قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي نفسه هو المحرك الرئيسي لهذه التسريبات، في محاولة يائسة لتقديم كباش فداء لتهدئة الغضب الشعبي المتنامي، والتنصل من مسؤولية الفشل الشامل الذي أغرق البلاد.

 

فضائح تزلزل المؤسسة العسكرية

من أبرز هذه التسريبات ما تم تداوله مؤخراً حول فضيحة فساد ورشوة جنسية منسوبة للواء محسن المحلاوي، وهو ضابط كبير في الجيش المصري. هذا التسريب، الذي أظهر تورط اللواء في قضايا فساد مالي وأخلاقي، لم يكن حادثاً معزولاً، بل يأتي في سياق صراع أجنحة داخل الأجهزة السيادية، حيث تستخدم التسريبات كأداة لتصفية الحسابات وتهديد المنافسين المحتملين.

ويشير محللون إلى أن هذه التسريبات ليست جديدة من حيث المبدأ، فالسيسي نفسه استخدمها في الماضي لترهيب قادة المجلس العسكري الذين عارضوه أو شككوا في ولائه، مما يؤكد أن تسجيل المكالمات واللقاءات الخاصة للقادة هو أسلوب عمل راسخ لدى الأجهزة التي يديرها. لكن الجديد الآن هو نقل هذه التسريبات من الدوائر المغلقة إلى الفضاء العام، بهدف تحقيق أهداف سياسية محددة.

 

السيسي يبحث عن كبش فداء

يأتي هذا التصعيد في وقت يواجه فيه السيسي غضباً شعبياً غير مسبوق بسبب الانهيار الاقتصادي والقمع السياسي. وإدراكاً منه بأن شرعيته تتآكل بسرعة، يلجأ السيسي إلى تكتيك قديم للحكام الفاشلين: إلقاء اللوم على الآخرين. فبدلاً من تحمل مسؤولية اختياراته الكارثية، بدأ في الترويج لفكرة أن "العوار ليس في الرئيس أو الحكومة بل في البشر"، في محاولة فاشلة لتبرئة نفسه وتقديم مرؤوسيه كقرابين على مذبح فشله.

إن تسريب فضائح قادة عسكريين، الذين كانوا حتى الأمس القريب شركاءه في السلطة، هو جزء من هذه الاستراتيجية. فهو يهدف إلى إيهام الرأي العام بأن السيسي يحارب الفساد، بينما هو في الحقيقة يتخلص من الأدوات التي استخدمها في ترسيخ حكمه، والتي أصبحت الآن عبئاً عليه. هروب علاء عابد، نائب رئيس حزب "مستقبل وطن" ورجل النظام القوي، بشكل مفاجئ من مصر بعد استبعاده من القوائم الانتخابية، هو دليل واضح على أن رجال السيسي بدأوا يشعرون بالخطر وبأن سيدهم على وشك التضحية بهم.

 

تحذير أخير للمنتفعين

السؤال الذي يطرحه هذا المشهد هو: هل ينجح السيسي في خداع الشعب مرة أخرى؟ المؤشرات تقول إن الشعب المصري لم يعد يثق في هذه المسرحيات. فالجميع يعلم أن السيسي هو من اختار هؤلاء الفاسدين، وهو من وفر لهم الحماية طوال سنوات، وهو من سمح لهم بنهب ثروات البلاد. وبالتالي، فإن أي محاولة لتقديمهم كأكباش فداء لن تنطلي على أحد.

هذه التسريبات هي رسالة تحذير ليس فقط للشعب، بل للمنتفعين من نظام السيسي، وخاصة المشهورين منهم من إعلاميين ورجال أعمال. إنها تقول لهم بوضوح: "دوركم قادم". فالسيسي، في محاولته للنجاة، لن يتردد في فضحهم والاستيلاء على الأموال التي سرقوها، ليقدم نفسه كمنقذ ومطهر.

إنها لعبة خطرة قد تسرّع من انهيار النظام بدلاً من إنقاذه. فبينما يحاول السيسي التخلص من حلفائه، فإنه يفقد آخر خطوط دفاعه، ويجد نفسه وحيداً في مواجهة شعب فاض به الكيل. والتحذير الأخير ليس فقط للمنتفعين بالهروب، بل للنظام نفسه، بأن السقوط في يد الشعب سيكون أصعب بكثير من أي تصفية حسابات داخلية.