في ورقة بحثية جديدة نشرها مشروع “تكاليف الحرب” (Costs of War) التابع لكلية واطسون للشؤون الدولية والعامة في جامعة براون الأمريكية، كشف المحلل السياسي ويليام هارتنج عن أرقام صادمة تتعلق بحجم الدعم العسكري الذي قدمته الولايات المتحدة لإسرائيل منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة قبل عامين.
وفقًا للدراسة، فإن إجمالي المساعدات الأمريكية لإسرائيل خلال العامين الماضيين بلغ نحو 21.7 مليار دولار، منها 18 مليار دولار تم تقديمها خلال العام الأول من الحرب في ظل إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، و4 مليارات دولار خلال العام الثاني تحت إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب. هذا المبلغ الضخم لا يشمل – بحسب هارتنج – صفقات السلاح التي جرى الاتفاق عليها بين واشنطن وتل أبيب بقيمة عشرات المليارات من الدولارات.
تمويل بلا حدود.. والنتيجة حرب مستمرة
توضح الورقة أن هذا الدعم العسكري السخي ترافق مع تكاليف إضافية تحملتها الولايات المتحدة نتيجة انخراطها العسكري المباشر في الشرق الأوسط، سواء عبر قواعدها أو من خلال عمليات نفذها الجيش الأمريكي لدعم إسرائيل أو تأمين مصالحها في المنطقة.
وقدّر هارتنج تكلفة هذه العمليات بما يتراوح بين 9.7 مليار دولار و12 مليار دولار، ليصل إجمالي ما أنفقته واشنطن لدعم إسرائيل عسكريًا إلى حوالي 32.5 مليار دولار في عامين فقط.
ويشير التقرير إلى أن هذه الأرقام تشمل النفقات المرتبطة بمشاركات أمريكية عسكرية غير مباشرة في لبنان وسوريا وإيران واليمن، وحتى في العاصمة القطرية الدوحة مؤخرًا، في إطار ما تصفه واشنطن بـ"تأمين مصالحها الإقليمية" بينما يُنظر إليه في العالم العربي كامتداد للدعم الأمريكي غير المحدود لإسرائيل في حربها على غزة.
تفاصيل التمويل العسكري الأمريكي لإسرائيل
من الناحية التفصيلية، تم تمويل المساعدات عبر برنامج التمويل العسكري الخارجي (FMF) التابع لوزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين، والذي خصص 8 مليارات دولار لتمويل بيع الأسلحة الأمريكية للحلفاء، وفي مقدمتهم إسرائيل.
كما تم تخصيص 5 مليارات دولار لدعم وتطوير أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية مثل آرو والقبة الحديدية ومقلاع داود، بينما تم سحب أسلحة بقيمة 4.5 مليار دولار من مخازن الجيش الأمريكي وتسليمها لإسرائيل، على أن تُموَّل إعادة تعبئة هذه المخازن بنفس القيمة.
وأشارت الورقة إلى نقل 800 مليون دولار من الذخائر مباشرة إلى إسرائيل، بجانب 700 مليون دولار لمساعدة الصناعة العسكرية الإسرائيلية المحلية في تطوير إنتاجها وتوسيع قدراتها التكنولوجية.
اختلال في ميزان القوى الإقليمي
تكشف هذه الأرقام، بحسب الخبراء، عن اختلال خطير في ميزان القوى بالشرق الأوسط، وهو ما يستدعي – من وجهة نظر عربية – إعادة تقييم العلاقات مع الولايات المتحدة. فبينما تضخ واشنطن مليارات الدولارات في خزائن تل أبيب، تستمر الدول العربية في تمويل الاقتصاد الأمريكي عبر الاستثمارات والودائع وشراء السندات، وهو ما يمثل مفارقة صارخة في المعادلة الإقليمية.
ويرى محللون خليجيون أن استمرار هذا الوضع غير منطقي، خاصة وأن بعض دول الخليج تنفق مليارات الدولارات على شراء الحماية الأمريكية، في حين تحصل إسرائيل على أحدث منظومات الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية دون مقابل فعلي.
ويؤكد هؤلاء أن الأجدى للخليج هو السعي لامتلاك هذه التقنيات الدفاعية المتقدمة – مثل مقاتلات F-35 أو منظومات الدفاع الجوي الحديثة – بدل الاكتفاء بالاعتماد على المظلة الأمنية الأمريكية التي أثبتت هشاشتها.
الموقف المصري ومعادلة السلام المختلة
أما بالنسبة لمصر، فإن استمرار الانحياز الأمريكي لإسرائيل بهذا الحجم يضع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في مأزق من حيث توازن القوى.
ففي الوقت الذي تضاعف فيه واشنطن دعمها العسكري لتل أبيب، تُقيد تسليح الجيش المصري وتُقلص المساعدات العسكرية الممنوحة له، مع فرض قيود على نقل التكنولوجيا أو تطوير الصناعات الدفاعية المحلية، بما يخلّ جوهريًا بمعادلة "التوازن العسكري" التي كانت أحد ركائز اتفاقية كامب ديفيد.
واشنطن وإسرائيل.. جدل داخلي يتصاعد
اللافت أن هذا السخاء المالي غير المحدود تجاه إسرائيل لم يعد محل إجماع داخل الولايات المتحدة نفسها. فمع تفاقم أزمة الدين الأمريكي وارتفاع العجز المالي، بدأ الجدل يتصاعد في الأوساط السياسية والأكاديمية الأمريكية حول مدى نفوذ إسرائيل داخل مؤسسات صنع القرار، وقدرتها على ابتزاز الساسة الأمريكيين لوضع مصالحها فوق المصالح الوطنية الأمريكية.
ويختتم هارتنج دراسته بالتأكيد على أن ما يجري يمثل تحولاً خطيرًا في أولويات السياسة الأمريكية، حيث تُدار أموال دافعي الضرائب لخدمة أجندة إسرائيلية في الشرق الأوسط، بينما تتآكل القدرة الأمريكية على معالجة أزماتها الداخلية الاقتصادية والاجتماعية.
النتيجة النهائية: أكثر من 32 مليار دولار خلال عامين، حرب لم تتوقف، ومنطقة تغلي بالاضطرابات، فيما تستمر واشنطن في ضخ الأموال بلا حساب دفاعًا عن حليفها الإسرائيلي، على حساب استقرار الإقليم ومصالحها نفسها.