في ضربة قوية للرياضة المصرية، أعلن المصارع الأولمبي محمد إبراهيم الشهير بـ"كيشو" تمثيله منتخب الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن كان بطلاً لمصر وحصل على الميدالية البرونزية في أولمبياد طوكيو 2020.

جاء هذا الإعلان بعد أسابيع قليلة من إعلان كيشو اعتزاله اللعب مع منتخب مصر، ليأخذ خطوة مفاجئة تُعد محطة جديدة في مسلسل هروب المواهب الرياضية من مصر.
 

من هو "كيشو" ومتى بدأ الانفصال؟
محمد إبراهيم، مواليد تقريبًا 1998 حصد الميدالية البرونزية في أولمبياد طوكيو 2020 وأصبح أحد أبرز وجوه المصارعة المصرية، لكن مسيرته شهدت انتكاسات علنية: احتجازه وتحقيقاتٍ في باريس خلال أولمبياد باريس 2024 ثم تبرئته لعدم كفاية الأدلة، ثم إعلان اعتزاله في يوليو 2025 قبل أن يعلن التراجع والاتجاه للتدريب مع منشآت أمريكية تمهيدًا لتمثيل الولايات المتحدة.

هذه التسلسل الزمني (باريس 2024 → تبرئة → إعلان اعتزال يوليو 11، 2025 → إعلان تمثيل أمريكا أكتوبر 2025) يوضح كيف تركت الإدارة الرسمية الرياضي وحيدًا أمام أزمات شخصية ومهنية.

في تصريحات له، أكد كيشو أنه تلقى دعماً ضعيفاً جداً في مصر، خاصة فيما يتعلق بالمكافآت المالية والتقدير المؤسسي، وأشار إلى أن راتبه الشهري في مصر كان لا يتجاوز 1500 جنيه مصري (حوالي 48 دولاراً)، وهو مبلغ زهيد مقارنة بما يحصل عليه الرياضيون في الخارج.

كما اتهم كيشو الاتحاد المصري للمصارعة بعدم تقديم الدعم الكافي، مما دفعه إلى اتخاذ قرار تمثيل أمريكا استعداداً لأولمبياد 2028 في لوس أنجلوس، وهو القرار الذي تسبب في جدل واسع داخل الأوساط الرياضية المصرية.

كيشو نفى أنه خان وطنه، مؤكداً أن مصر ستظل بلده ولكن البحث عن توفير حياة رياضية وعائلية مستقرة دفعه لاتخاذ هذا القرار.

ولم تَخِل ردة فعل المؤسسات المحلية من تصريحات تحفظية؛ رئيس اتحاد المصارعة سعيد صلاح صرّح أن الاتحاد: لن يمنح كيشو أي موافقة لتمثيل أمريكا، وأن الخيار الوحيد للّعب باسم دولة أخرى هو إما "الالتزام بتمثيل مصر أو الامتناع عن اللعب 3 سنوات" وفق القواعد.

لكنّ هذا الرد الإداري الشكلاني لا يقدّم حلًا لسبب الرحيل، وهو فقدان الثقة والأمان المهني والمعيشي للاعبين، تعويق الانتقال لا يردع الرغبة في الرحيل حين تكون الدافع الحقيقي بحثًا عن مستقبل أفضل.
 

حالات مماثلة قبل كيشو.. موجة هجرة الرياضيين المصريين
كيشو ليس الحالة الأولى بين الرياضيين المصريين الذين يختارون تمثيل دول أخرى بسبب الظروف الصعبة في بلدهم.

شهدت السنوات الماضية حالات مشابهة لأبطال مصريين هاجروا أو مثلوا منتخبات أجنبية، منها المصارع محمد عبد الفتاح "بوجي" الذي مثل البحرين في بطولة آسيا عام 2015.

وكذلك اللاعب طارق عبد السلام الذي هاجر إلى بلغاريا للعلاج وتمثيل المنتخب البلغاري.

وفي 2017 غادر أحمد فؤاد بغدودة مصر بعدما حصل على ميدالية فضية في بطولة أفريقيا للمصارعة، وانتقل إلى فرنسا.

وليست المصارعة وحدها اللاعب مروان الشوربجي في الاسكواش الذي بدأ يمثل إنجلترا عام 2023، وأصبح موضوعاً للنقاش في الوسط الرياضي المصري.

هذه الحالات كشفت عن أزمة كبيرة في دعم الرياضيين داخل مصر، حيث غادر العشرات من رجال الرياضة بسبب قلة التمويل وعدم وجود رؤية واضحة لتطوير الرياضة.
 

الأسباب الحقيقية وراء الهجرة الرياضية
تكشف هذه الظاهرة عن إخفاقات واضحة في منظومة الرياضة المصرية تحت حكم السيسي، حيث يشكو عدد من الرياضيين من ضعف الدعم المالي، وانعدام برامج التأهيل الجادة والمعسكرات، وبالتالي يفتقدون إلى البيئة المناسبة لتطوير مهاراتهم وتحقيق طموحاتهم.

أمثلة كثيرة توضح هذا، مثل حالة طارق عبد السلام الذي اضطر للعمل في مطعم لشاورما ليتمكن من تحمل نفقات علاجه أثناء الإصابة.

كما اشتكى اللاعبون من سوء الإدارة داخل الاتحادات الرياضية التي تعاني من الفشل الإداري والسياسي، مما هدر مواهب واعدة وتركها تهاجر إلى الخارج.

ويرى محللون أن الرياضة أصبحت من المجالات التي يعاني فيها المصريون بشكل خاص من قلة الحريات ومحدودية الفرص، وهو ما ينعكس على تراجع الحضور المصري في البطولات الدولية.
 

التداعيات على الرياضة المصرية والمجتمع
هجرة الأبطال الرياضيين تؤدي إلى تدهور المستوى الرياضي في مصر وتراجع فرص النجاح في المحافل الدولية.

فقدت مصر آلاف الرياضيين في العقد الماضي، وفق إحصاءات تشير إلى أن أكثر من 350 ألف رياضي مصري تركوا البلاد أو اعتزلوا الرياضة بسبب الظروف الصعبة.

كما تسبب هذا الخروج في استياء شعبي واسع من أداء الاتحاد المصري للمصارعة وغيره من الاتحادات، حيث تُتهم هذه الجهات بعدم تطوير الرياضة ورعاية الأبطال، إضافة إلى العجز في توفير احتياجاتهم الأساسية.

على المستوى المجتمعي، يعكس هذا الهروب الرياضي أزمة شاملة في مصر تعاني من فشل في تقديم الخدمات وأجواء تحفز النجاح، مما دفع كثيرين إلى البحث عن فرص أفضل في الخارج.
 

تداعيات القرار سياسياً واجتماعياً
أولًا: رمزيًا، خروج بطل أولمبي عن البلد يضرب الحجة الرسمية التي تروج لانتصارات داخلية باسم الاستقرار والنهضة.

ثانيًا: عمليًا، فقدان مواهب يُضعف الفرق الوطنية ويقلل من فرص تحقيق إنجازات مستقبلية، وهو ما ينعكس على تمويل الرياضة، المتابعة الجماهيرية، وصورة البلد دوليًا.

سياسيًا، القرار يسليط الضوء على عجز إدارة الدولة في توفير الحد الأدنى من الكرامة للمواهب

أثارت قضية هروب الرياضيين المصريين إلى دول أخرى انتقادات حادة من جانب خبراء رياضيين، معتبرين أن هذه القضية جزء من انهيار الدولة في دعم مواطنيها.

يقول محمد صلاح، رئيس منطقة القاهرة للمصارعة سابقاً، إن قصة محمد إبراهيم كيشو تؤكد فشل المنظومة الرياضية في مصر، وأن الاتحاد المصري للمصارعة يتحمل مسؤولية كبيرة في هذا النزيف الكبير للمواهب.

من جهة أخرى، يُشار إلى أن ارتفاع عدد المهاجرين المصريين إلى أمريكا وأوروبا في العقدين الماضيين يشكل أزمة وطنية تستوجب مراجعة شاملة للسياسات الحكومية.

وهذه القضية يعلق عليها دبلوماسيون غربيون بقلق، معتبرين أن مصر تخسر كثيراً من رأس مالها البشري القيّم في مجال الرياضة، وأن ذلك يؤثر سلباً على صورتها الدولية.
 

الحلول المقترحة

  1. تعديل آليات المكافآت والرواتب بحيث تكون قابلة للحياة للعائدين من البطولات الدولية.
  2. بروتوكولات حماية قانونية وإعلامية لحماية الرياضيين أثناء البعثات الخارجية (تعلّمًا من حادث باريس 2024).
  3. خلق قنوات حوار حقيقية بين الاتحادات واللاعبين لإصلاح عقد الثقة قبل أن يفقدوا رغبتهم في تمثيل الوطن.

تعتبر حالة محمد إبراهيم "كيشو" تمثيلً لمنتخب أمريكا بعد اعتزاله مصر نموذجاً لفشل إدارة الرياضة في مصر تحت حكم السيسي، حيث تُترك المواهب لتهاجر أو تمثل دولاً أخرى بسبب نقص الدعم، ضعف التقدير، والإدارة الفاشلة.

هذه الظاهرة ليست جديدة، بل هي استمرار لسنوات من الإهمال تؤدي إلى تبخر الإمكانات الرياضية ونتائج كارثية على مستوى البطولات الدولية.

يحتاج ملف الرياضة في مصر إلى إعادة بناء شاملة تضمن حقوق الرياضيين وتأمين حوافز حقيقية لهم ليبقوا في وطنهم ويرفعوا اسم مصر عالياً بدل أن يفاوضوا على مستقبلهم في الخارج مع دول أخرى، وهذا مستبعد تحت حكم السيسي.