في 6 أكتوبر 2025، أعلنت شركة "ميرسك" الدنماركية، أكبر شركات الشحن البحري في العالم، عن فرض رسوم إضافية مؤقتة على الشحنات المتجهة عبر البحر الأحمر وخليج عدن بسبب اضطرابات المنطقة، باستثناء الصادرات من الشرق الأقصى لآسيا.

المجموعة الدنماركية العملاقة للنقل البحري "إيه. بي. مولر-ميرسك" أعلنت عن سلسلة رسوم طارئة ومعدلات موسمية إضافية (Peak Season / Emergency Contingency Surcharges) مرتبطة بتعطُّلات الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن بسبب هجمات الحوثيين والتهديدات الأمنية، ما دفعها إلى تحويل مسارات سفنها حول رأس الرجاء الصالح وزيادة المسافات وأوقات الإبحار والتكلفة التشغيلية، هذا القرار بدأ يظهر عمليًا مع إشعارات رسمية منذ نهاية 2024 واستمر التحديث عليه خلال 2025.

هذه الرسوم تُطبق على الحاويات الجافة والمبردة، مع زيادات قد تصل إلى 1200 دولار لكل حاوية جافة و3000 دولار للحاويات المبردة، وذلك بسبب نقص المعدات والاختناقات الملاحية وارتفاع التكاليف التشغيلية المباشرة وغير المباشرة.

 

مراحل الرسوم والتواريخ العملية

أصدرت ميرسك إعلانات متكررة توضح أنها ستفرض رسوماً مختلفة Peak Season Surcharge (PSS) في أواخر 2024، وتعديلات على رسوم الطوارئ (ECS) ورسوم أخرى خلال 2025 مع تواريخ حساب الأسعار (Price Calculation Dates) معلنة، وأجرت تحديثات رسمية في 28 يناير، 24 فبراير و15 أبريل 2025.

هذه المراحل تُظهِر أن الزيادات لم تكن دفعة واحدة بل سلسلة من التعديلات بحسب تصاعد المخاطر أو استقرارها النسبي.

 

لماذا ارتفعت التكاليف؟

فسّرت ميرسك أن تحويل المسارات حول أفريقيا أضاف نحو 4,000 ميل بحري لكل رحلة في بعض الخطوط، وزيادة كبيرة في استهلاك الوقود (تقديرات الشركة أظهرت زيادات في تكلفة الوقود بنحو 40% مقارنة بالمسارات العادية عبر البحر الأحمر)، إضافة إلى ازدحام موانئ وتأخيرات أدت إلى نقص في الحاويات وتكاليف تخزين وتأخير (demurrage) أعلى.

كل بند من هذه البنود يتحوّل إلى رسوم مباشرة أو غير مباشرة تُحمّل المستورد والتاجر والمستهلك.

 

أثر القرار على الاقتصاد المصري

تسبّب تجنّب الملاحة عبر البحر الأحمر بانخفاض إيرادات قناة السويس وخسائر تشغيلية، تقارير وتحليلات صحفية تشير إلى أن أزمة تعطّل الملاحة كلفت الاقتصاد المصري مبالغ كبيرة، بتكلفة شهرية للموانئ والاقتصاد المصري تُقدَّر بمئات الملايين (بالملايين/المليارات بحسب الفترة)، كما أعلن بعض المحللين أن حصد ميرسك لرسوم إضافية يعني ضغوطًا تضخمية على السلع المستوردة والمواد الخام اللازمة للصناعة والزراعة في مصر.

 

استجابة رسمية متأخِّرة ودلالة التوقيت

في حين أصدر مسؤولو قناة السويس تصريحات عن بوادر استقرار في أواخر يناير 2025، استمرّت الشركات الكبرى مثل ميرسك في تجنّب المرور عبر البحر الأحمر حتى وقت لاحق، مؤكدة أنها لن تعود إلا عندما تتأكد من سلامة الملاحة.

هذا التباين بين تصريحات حكومية تفاؤلية وقرارات الشركات يدلّان على فجوة في مصداقية الدولة وسوء إدارة المخاطر: إعلان الاستقرار لم يوقف تكبّد التجار والخزينة خسائر أو الرسوم المضافة.

 

الغلاء العام تحت حكم قائد الانقلاب العسكري.. ربط الأسباب والبراهين

قرار شركة دولية بتحميل تكاليف إضافية يكشف بوضوح ما يعانيه المواطن؛ أي صدمة خارجية تُترجم سريعًا إلى أسعارٍ أعلى في المحروقات، الغذاء، وقطع الغيار والمنتجات الاستهلاكية.

تحت حكم قائد الانقلاب العسكري، يتزايد الاعتماد على الاستيراد مقابل ضعف سياسات حماية الصناعة المحلية، ويظهر غياب سياسةٍ اقتصادية فعّالة تقلِّل من مرونة الاقتصاد أمام صدمات سلاسل الإمداد.

النتيجة: التضخم يلتهم دخول الأسر والرسوم والضرائب والإتاوات تؤثر على القدرة الشرائية.

 

فساد الدولة والحكومة السارقة.. كيف يتضاعف العبء؟

في بلدٍ تُهيمن فيه مؤسسات تابعة أو مقربة من المؤسسة العسكرية على قطاعات حيوية، تترجم أي تكلفة خارجية إلى فرصة تربحية للدوائر المهيمنة؛ رفع تعرفة مرافئ، عقود إدارة وموانئ بأسعار مرتفعة، وتحويلات مالية لا تخضع للمساءلة تشكّل طبقة وسيطة تستفيد بينما يدفع المواطن الثمن.

توقيت فرض الرسوم والتراكم التدريجي لها يكشف عن نظام يستفيد من أزمات السوق لتمرير تكاليف لا يتحمّلها سوى الجمهور.

هذا الربط بين الأزمة الخارجية والفساد الداخلي يفسر لماذا يشعر المواطن بأن الغلاء دائماً «مفتعل» ومدار لتقوية شبكات النفوذ.

 

من الضحية ومن المستفيد؟

الإجراءات التي اتخذتها ميرسك، من فرض رسوم موسمية وطوارئ إلى تحويل طرق الإبحار، هي انعكاس لمخاطر حقيقية في البحر الأحمر، لكنها في السياق المصري تُضاف إلى سجل طويل من السياسات التي تُفاقم معاناة المواطن.

في ظل غياب الشفافية والمساءلة، تتحول أي زيادة تكلفة عالمية إلى عبء دائم على المواطن، وتصبح أزمة خارجية ذريعةً لمزيد من الاحتكار والنهب الداخلي.

المطلوب إن كان هناك امتداد للمطالبة العامة ضبط السياسات، حماية السلاسل الإنتاجية المحلية، ومحاسبة من أوصل الاقتصاد إلى حالة تعتمد على استيراد مدفوعًا برسومٍ تكاليفية متصاعدة.