تشهد منطقة رمسيس ووسط القاهرة في الأسابيع الأخيرة حملة موسعة لإزالة الأكشاك والفترينات ضمن خطة رسمية لتفريغ الميدان والمحاور المحيطة، تمهيدًا لتنفيذ المرحلة الأحدث من مشروع تطوير وسط العاصمة. غير أن التطورات الميدانية المتسارعة أثارت مخاوف بين الأهالي والعاملين في الأنشطة الصغيرة من أن يكون ما يُقدَّم بوصفه “تطويرًا حضريًا” مقدمة لمرحلة جديدة من نقل الأصول العامة إلى مستثمرين إماراتيين، على غرار ما حدث في مناطق مثل ماسبيرو وبولاق وشارع 26 يوليو.
 

حملة إزالات واسعة في محيط رمسيس
وفق مصادر محلية وتصريحات رسمية، بدأت الحملة بإزالة لـ 130 من الأكشاك المنتشرة حول ميدان رمسيس وامتداداته، مع توجيه رسمي بنقل الأنشطة التجارية إلى داخل الموقف متعدد الطوابق الجاري إنشاؤه في المنطقة. المحافظ أعلن أن الخطة تستهدف “إخلاء الميدان تمامًا من الإشغالات” وتحويله إلى نموذج مشابه لميدان التحرير، متحدثًا عن “استعادة المظهر الحضاري” للمنطقة، ونقل نحو ألف سيارة سيرفيس إلى موقف أحمد حلمي وإخلاء كوبري الليمون من الباعة.

لكن هذه الإجراءات — رغم طابعها التنظيمي — تفتح الباب أمام تساؤلات حول الجهة التي ستتولى إدارة وتشغيل المول التجاري الجديد، خاصة في ظل ما يتردد عن دخول شركات إماراتية عبر بوابة “الإسماعيلية للاستثمارات العقارية” التي تدير حاليًا مساحات واسعة في قلب وسط البلد.

 

رمسيس ومعروف.. قلب النشاط التجاري الصغير
الحملة لا تمس فقط الأكشاك العشوائية، بل تضرب قلب النشاط التجاري الشعبي في شوارع مثل معروف وعبد الخالق ثروت وطلعت حرب، حيث تنتشر مطاعم شعبية ومشروعات صغيرة مثل فروع كشري التحرير التي تشكل جزءًا من النسيج الاجتماعي والتاريخي للمنطقة.

تجار المنطقة يؤكدون أن الأكشاك ليست مجرد إشغالات، بل مصدر رزق لعشرات الأسر وعمال اليومية الذين يعتمدون على حركة الزبائن في محيط الميدان، ما يجعل الإزالة دون بدائل فورية تهديدًا مباشرًا للأمان الاقتصادي لآلاف العاملين.
 

من التنظيم إلى التمليك الأجنبي
يرى مراقبون أن ما يجري في وسط القاهرة ليس مجرد “تطوير حضري”، بل نمط متكرر من تفريغ الأحياء التاريخية تمهيدًا لطرحها في مشروعات استثمارية، على غرار ما شهدته مناطق وسط البلد منذ 2016 عندما دخلت شركات إماراتية على خط إدارة العقارات القديمة وواجهات المباني التراثية.

ويحذر باحثون في شؤون العمران من أن التحول من الإدارة العامة إلى الاستثمار الخاص الأجنبي سيؤدي إلى فقدان الطابع الشعبي للمنطقة وتحويلها إلى منطقة مغلقة النمط، لا تتناسب مع قدرة المواطنين ولا هوية القاهرة التاريخية.
 

البدائل الموعودة.. غائبة أو محدودة
تؤكد المحافظة أن الأكشاك التي ستُزال سيتم تعويضها بمحال داخل المول التجاري بالموقف الجديد، لكن أسئلة عديدة تثار حول معايير التخصيص وأسعار الإيجارات، ومدى قدرة أصحاب الأكشاك البسيطة على تحمل كلفة الانتقال، في ظل غياب جدول زمني معلن للبدائل.

تجارب مشابهة في الإسكندرية ومناطق أخرى أظهرت أن غياب المسارات التعويضية يؤدي إلى فراغ اقتصادي مؤقت سرعان ما يتحول إلى هيمنة استثمارية جديدة لصالح كيانات كبرى.
 

التوثيق الميداني الغائب
رغم انتشار فيديوهات توثق حملات إزالة الأكشاك في محافظات أخرى، فإن غياب التوثيق البصري من رمسيس ووسط القاهرة يثير تساؤلات حول نطاق الحملة وحجم الممتلكات التي جرى إخلاؤها.

بعض اللقطات المتداولة تُظهر بالفعل تحركات تمهيدية قرب مباني السكك الحديدية ومحيط كوبري الليمون، ما يعزز فرضية أن المنطقة بأكملها تُعاد تهيئتها لتصبح جزءًا من مخطط استثماري جديد يشمل الميدان والموقف والمول التجاري.
 

من “تطوير العاصمة” إلى إعادة توزيعها
بين الخطاب الرسمي الذي يتحدث عن “استعادة المظهر الحضاري”، والوقائع الميدانية التي تشير إلى نقل النشاط الشعبي وإفراغ وسط البلد من سكانه ومشروعاته الصغيرة، تتضح معالم مرحلة جديدة في تاريخ القاهرة: تحويل مركزها التاريخي إلى منطقة استثمارية ذات طابع إماراتي.

إن غياب الشفافية في إعلان خرائط الملكية والجهات المنفذة، وعدم إشراك المجتمع المحلي في صنع القرار، يجعل من “التطوير” عنوانًا لعملية تفريط تدريجي في قلب العاصمة، وتحويلها من فضاء عام نابض بالحياة إلى مشروع مغلق تحكمه المصالح الاستثمارية.