تفضح الأوضاع الأخيرة التي شهدتها مصر، وخاصة في دلتا النيل، فشلاً واضحًا من جانب النظام الحكومي، وعلى رأسه عبد الفتاح السيسي، في التعامل مع أزمة سد النهضة الإثيوبي وتأثيراتها الكبرى على الأرض والمواطنين المصريين.
فقد أظهرت الأحداث الأخيرة أن ارتفاع منسوب مياه النيل وتعرض عدد من القرى والغمر لمزارع وأراضٍ زراعية يعد مؤشراً قوياً على أن السياسات المتبعة لمواجهة الأزمة غير كافية، بل فشلت تمامًا في حماية الأمن المائي المصري، بل أفرزت نتائج كارثية على الواقع الميداني.
 

تفاصيل الكارثة الأخيرة
شهدت محافظتا البحيرة والمنوفية، شمال مصر، في الأيام الأخيرة، غرق مئات الأفدنة الزراعية والمنازل بسبب ارتفاع مفاجئ وغير مسبوق لمنسوب مياه نهر النيل، والذي يرجع إلى التصرفات الأحادية لإثيوبيا بفتح بوابات سد النهضة دون تنسيق مسبق مع القاهرة، مما أدى إلى تدفقات مائية هائلة ومفاجئة، تفوق قدرة السد العالي، على استيعابها.


وقد أوردت مصادر إعلامية عدة فيديوهات وشهادات من الأهالي لوصف الحالة المأسوية، حيث قال أحد السكان: "غرقنا يا عم الحاج!"، في إشارة واضحة إلى حجم الكارثة التي أصابت قرى دلتا النيل. كما أُعلن في التقارير الرسمية أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة كانت غير كافية في مواجهة تصريف المياه، وأن الأمر أتى بشكل عشوائي، أدى إلى تدمير مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، وزيادة معاناة المواطنين في مناطق "طرح النهر".


 

 

فشل إدارة أزمة سد النهضة
تثبت الأحداث أن مصر رغم جهودها الدبلوماسية المتواصلة، بقيت عاجزة عن السيطرة على تداعيات سد النهضة، خاصة بعد إغلاق المسار التفاوضي رسميًا منذ نهاية 2023، وعدم التوصل لمفاوضات ملزمة تحدد بشكل واضح آليات الملء والتشغيل للسد الإثيوبي، وفق ما أكدته وزارة الري المصرية.

وتشهد مصر حالة من القلق والترقب، مع انتشار التحذيرات من تصاعد الأزمة، خاصة مع تصريف إثيوبيا للمياه بشكل منفرد، مما يُنذر بكوارث مستقبلية، لا سيما مع استمرار ارتفاع منسوب المياه، وتفاقم الفيضانات، التي فاق بعضها كل التوقعات، مهددة حياة الملايين من السكان، وملوحة الأراضي الزراعية وتدميرها.


 

 

مواقف وتحذيرات المسؤولين
أعرب مسؤولون مصريون عن قلقهم العميق من استمرار الوضع باعتباره “كارثة مائية وبيئية” قد تتطور إلى أزمة إنسانية واقتصادية، خاصة مع اتساع رقعة الفيضانات، وتحذيرات من أن استمرار التصرف الأحادي من إثيوبيا يعكس تفاقم الأزمة بخطوات قد تؤدي إلى تدمير الأراضي والاستقرار المائي في مصر، وتضاعف معاناة المواطنين الذين يعتمـدون بشكل كبير على نهر النيل كمصدر حياة.

وفي خضم هذا الضعف الإدراكي والسياسي، تظهر أصوات مصرية تطالب باللجوء إلى التحكيم الدولي، ورفع القضية إلى مجلس الأمن، كما أعلنت مصر مرارًا رفضها لسلوك إثيوبيا الأحادي، والاعتراف بعدم قدرتها على حماية مصالح مصر المائية والسيادية إلا من خلال خطوات دولية وقانونية صارمة.

بلا شك، فإن الأزمة المستمرة مع سد النهضة، والتي تتجلى مؤخرًا في غرق قرى مصرية بكميات هائلة من مياه النيل، تعكس فشل النظام المصري في إدارة الملف المائي، وضعف أدواته الدبلوماسية والاقتصادية، وغياب الاستعدادات الفعلية للتعامل مع تداعيات السياسات الأحادية لإثيوبيا. هذه الكارثة تكشف عن حاجة ماسة لإعادة تقييم استراتيجيات التعامل مع الملف، وتعزيز أدوات الضغط القانوني والدبلوماسي، للحفاظ على حقوق مصر التاريخية والمائية، وإنقاذ ما تبقى من أراضيها الزراعية وسلامة مواطنيها.