أعلنت السلطات التركية، في عملية أمنية دقيقة جرت بإسطنبول، اعتقال ثلاثة عملاء تابعين لجهاز المخابرات الإسرائيلي "الموساد" متهمين بالتجسس على الفلسطينيين المقيمين في إحدى مناطق المدينة.

اعتقلت الاستخبارات التركية أحدهم ويدعى سركان تشيتشك بعد أن أثبت تورطه في أنشطة استخباراتية لصالح الموساد، وذلك في إطار عملية مشتركة استهدفت تفكيك شبكة تجسس كانت تتابع نشاطات المعارضين الفلسطينيين، خصوصًا نشطاء حركة حماس، الذين تُعتبر تركيا مكانًا مهمًا لهم إقليميًا.

هذا الإعلان لم يكن حدثًا عابرًا، بل جاء ليؤكد أن معركة الاستخبارات بين أنقرة وتل أبيب دخلت مرحلة جديدة أكثر حساسية، خاصة أن تركيا تحتضن شخصيات فلسطينية بارزة، وتعتبر محطة محورية في نشاطات حركة حماس الخارجية.
 

سياق إقليمي متوتر
يأتي هذا الكشف عن الشبكة في ظل توترات متصاعدة في المنطقة، حيث تشير الأنباء إلى أن أجهزة المخابرات الإسرائيلية تستهدف قادة ومناصرين لحركة حماس في أماكن عدة بما فيها قطر ومصر، مع اتخاذ إجراءات صارمة لمنع نشاطاتهم وتأمين تحركاتهم.
ففي مصر مثلاً، كشفت مصادر أمنية عن إحباط محاولات إسرائيلية لاستهداف قيادات حماس في القاهرة، وتم التهديد برد قوي على أي خروقات للأمن القومي المصري، وهو ما يشير إلى تصاعد عمليات التجسس والمحاولات الاستخبارية ضد الفلسطينيين في مصر بالتوازي مع ما يحدث في تركيا.

هذه المعطيات تبرز أن الاستهداف لم يعد محصورًا في الداخل الفلسطيني، وإنما توسع ليشمل دولًا إقليمية لها وزنها، ما يعكس إصرار تل أبيب على ملاحقة قادة المقاومة أينما وجدوا.
 

تقديرات أمنية وتحذيرات إقليمية
تقديرات أمنية تشير إلى أن جهاز الموساد الإسرائيلي يواصل استهداف حركة حماس داخل وخارج الأراضي الفلسطينية، مع توسيع دائرة عمليات المراقبة والتجسس لتشمل دولًا تعتبر ملاذًا آمنًا لبعض قيادات الحماس، مثل تركيا وقطر. وأكد مسؤول إسرائيلي أن الموساد مستعد لهجمات تستهدف قادة حماس في أماكن عدة، ما يشكل تهديدًا أمنيًا معقدًا يرفع من وتيرة الاستنفار الأمني في كل من الدول المعنية.

هذه التصريحات الإسرائيلية تكشف بوضوح عن عقلية تقوم على فرض سياسة "الاغتيال المسبق" والتتبع الدائم، وهي السياسة التي تثير قلقًا كبيرًا لدى الأطراف العربية، خاصة مع تزايد احتمالات أن يمتد النشاط الاستخباري إلى دول أخرى مثل لبنان أو حتى أوروبا، حيث يتواجد ناشطون فلسطينيون.
 

استهداف مصر
تشير التقارير الأمنية المتخصصة إلى أن التجسس الإسرائيلي في مصر يشكل تهديدًا متزايدًا للأمن القومي المصري، حيث تعتبر أجهزة الموساد الإسرائيلية مصر ساحة حساسة تستهدفها ضمن استراتيجيتها لمراقبة النشاطات الفلسطينية والعربية المقاومة، لا سيما حركة حماس.
 

تقدر حجم المخاطر في عدة محاور رئيسية:

  • التجسس على الفلسطينيين والمقاومين: تحرص إسرائيل على جمع المعلومات الاستخباراتية حول قيادات الحركات الفلسطينية في مصر، خصوصًا بالنظر إلى دور مصر كبلد عبور وداعم لـحماس والمقاومة.
  • التجسس السياسي والاستراتيجي: تستهدف الأجهزة الإسرائيلية المراكز الحساسة المصرية، مثل القوات المسلحة ومؤسسات الأمن، للكشف عن تحركات وتحالفات محتملة تؤثر على الموازين الإقليمية.
  • الاختراق الأمني الإلكتروني: تستخدم إسرائيل تقنيات متطورة في شن هجمات الكترونية على البنى التحتية المصرية وسرقة البيانات، الأمر الذي يرفع مستوى المخاطر على الأمن الوطني.

مؤشرات حقيقية على تلك المخاطر تشمل عمليات الكشف والاعتقال التي تنفذها السلطات المصرية بالتعاون مع حلفائها، فضلاً عن اغتيالات ومحاولات استهداف قيادات حماس في القاهرة، التي أفشلتها المخابرات المصرية مؤخرًا، ما يعكس جدية الخطر الإسرائيلي.

التقديرات الأمنية تشير إلى أن مصر وصلت إلى مرحلة تستوجب تعزيز الإجراءات المضادة للتجسس، وتحديث البنية التحتية للأمن السيبراني، إلى جانب زيادة التنسيق الأمني الإقليمي للتصدي للتحديات المشتركة. كما تنصح التقارير بضرورة تطوير برامج تجسس مضاد متقدمة واستغلال تقنيات الذكاء الاصطناعي لتعقب تحركات الجواسيس.

التقييم العام يؤكد أن التجسس الإسرائيلي يشكل تهديدًا مركبًا ومتزايدًا يستهدف مصر باعتبارها نقطة استراتيجية رئيسة في المنطقة، ويتطلب مواصلة تحديث الاستراتيجيات الأمنية لضمان حماية المصالح الوطنية والحفاظ على الأمن والاستقرار الداخلي.

ختامًا، تشير هذه التطورات إلى أن التجسس الإسرائيلي لا يقتصر فقط على الأراضي الفلسطينية أو مناطق محددة، بل يتخطى إلى مناطق متعددة يشكل الفلسطينيون وجماعات المقاومة فيها هدفًا رئيسيًا. وهو ما يحتم على الدول العربية، وعلى رأسها مصر وتركيا، تعزيز تنسيقها الأمني والاستخباري ودعم موقفها في التصدي لهذه المخاطر التي قد تؤثر على الأمن القومي والإقليمي بشكل عام.

الرسالة واضحة: إذا لم تتعامل الدول العربية والإسلامية بجدية مع هذه الاختراقات، فإن شبكات الموساد ستظل تتحرك بحرية، لتواصل استهداف الفلسطينيين، وإضعاف كل محاولة لدعم المقاومة. أما عملية إسطنبول الأخيرة، فهي ليست سوى حلقة جديدة في سلسلة طويلة من صراع استخباري مفتوح لن يتوقف قريبًا.