في أجواء حزينة اختلطت فيها الدموع بالغضب، شيّع أهالي مدينة المحلة الكبرى جثامين 13 ضحية قضوا في الحريق المروع الذي اندلع داخل أحد مصانع الغزل والنسيج. من بين الضحايا 12 عاملًا لقوا حتفهم اختناقًا أو حرقًا أثناء العمل، بالإضافة إلى شهيد من قوات الحماية المدنية سقط أثناء محاولته إنقاذ المحاصرين. فيما لا يزال أكثر من 20 مصابًا يتلقون العلاج، بينهم حالات خطيرة تهدد بزيادة حصيلة الضحايا.
وداع موجع لضحايا لقمة العيش
الضحايا الذين رحلوا معظمهم من شباب وأرباب أسر بسيطة، كانوا يعملون لساعات طويلة مقابل أجور زهيدة. وبين الأسماء التي تم تشييعها:
- أحمد عبدالعزيز (28 عامًا)، عامل غزل.
- محمود سيد (35 عامًا)، مشرف وردية.
- إيمان عبدالسلام (22 عامًا)، عاملة جديدة.
- خالد عبدالرازق (40 عامًا)، مسؤول مخزن.
- الشهيد محمد حمدي (32 عامًا)، فرد من قوات الإطفاء.
الجنازة تحولت إلى تظاهرة شعبية، حيث ردد الأهالي هتافات غاضبة ضد المسؤولين، مؤكدين أن أبناءهم ماتوا ضحية الإهمال وسوء الإدارة.
شهادات تكشف حجم الكارثة
الناجون من الحريق وصفوا مشاهد مأساوية. المصنع كان يفتقر إلى أبسط أدوات السلامة: طفايات معطلة، إنذارات غائبة، وأبواب طوارئ مغلقة. أحد العمال قال: "كنا نصرخ طلبًا للنجدة لكن الدخان غطى كل شيء، والبوابات كانت موصدة بالسلاسل". شهادات أخرى أكدت أن رجال المطافي واجهوا صعوبة بالغة في الدخول، ما تسبب في سقوط أحدهم شهيدًا وسط الدخان الكثيف.
غضب الأهالي وتنديد عام
لم يكن المشهد مجرد جنازة، بل احتجاج واسع ضد غياب الرقابة الحكومية. الأهالي اتهموا وزارة القوى العاملة بالتقصير الفاضح، فيما حمّلوا المسؤولية أيضًا لأجهزة الأمن الصناعي التي سمحت بتشغيل المصنع رغم مخالفاته. ناشطون نقابيون أكدوا أن الحادث "مجزرة متوقعة"، نظرًا لتجاهل السلطات المتكرر لشكاوى العمال من الأعطال والمخاطر.
تاريخ من الحوادث المتكررة
الحادث الجديد أعاد للأذهان سلسلة من الكوارث التي شهدتها المحلة ومدن صناعية أخرى، منها حريق مصنع ملابس عام 2022 أسفر عن 5 قتلى، وحريق مصنع كتان في 2023 أصيب فيه العشرات. الأهالي يرون أن غياب المحاسبة الحقيقية للمسؤولين جعل تكرار مثل هذه الحوادث أمرًا متوقعًا.
دعوات للمحاسبة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه
عائلات الضحايا طالبت بالتحقيق الفوري ومحاسبة مالك المصنع والمسؤولين الحكوميين عن الرقابة. كما شددت على ضرورة تعويض أسر القتلى والمصابين بشكل عادل، وتوفير ضمانات تمنع تكرار هذه المآسي. النقابيون طالبوا بقوانين أكثر صرامة لفرض معايير السلامة المهنية، وتكثيف التفتيش المفاجئ على المصانع.
رحيل 13 ضحية من أبناء المحلة، بينهم رجل من قوات الإطفاء، ليس مجرد حادث عرضي بل دليل على انهيار منظومة السلامة في مصر. الجنازة التي تحولت إلى صرخة احتجاج كشفت عن غضب شعبي متصاعد ضد الإهمال الحكومي. الأهالي أكدوا أن دماء أبنائهم لن تذهب سدى، فيما يظل السؤال قائمًا: هل تتحرك الدولة لإنقاذ حياة العمال، أم تظل مصانع الموت مستمرة في حصد الأرواح؟