أعلنت شركة مايكروسوفت الأمريكية عن وقف تزويد وحدة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية المعروفة باسم "8200" بخدمات الحوسبة السحابية وتقنيات الذكاء الاصطناعي، بعدما ثبت استخدامها في عمليات تجسس واسعة النطاق على الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة.
القرار جاء عقب تحقيق صحفي مشترك أجرته صحيفة الجارديان البريطانية ومجلة +972 الإسرائيلية، كشف أن الاستخبارات الإسرائيلية اعتمدت على منصة Azure التابعة لمايكروسوفت لتخزين ومعالجة ملايين المكالمات الهاتفية للفلسطينيين، ضمن مشروع سري أطلق عليه اسم "مليون مكالمة في الساعة".
وقال رئيس مايكروسوفت براد سميث، في بيان رسمي نُشر على مدونة الشركة: "لقد أوقفنا وعطّلنا اشتراكات وخدمات محددة لوزارة الحرب الإسرائيلية، بعد أن تبين أنها استخدمت تقنياتنا في عمليات مراقبة جماعية للمدنيين، وهو ما يخالف مبادئ الشركة وأخلاقياتها".
وأوضح سميث أن المراجعة الداخلية التي أطلقتها الشركة في منتصف أغسطس الماضي ركزت على الوثائق التجارية والسجلات المالية والمراسلات الرسمية، دون الوصول إلى محتوى المواد التي خزنتها الاستخبارات الإسرائيلية. وأضاف أن التحقيق أكد صحة عناصر عدة مما نشرته الصحافة، بما في ذلك استهلاك الاحتلال لسعات تخزين ضخمة في هولندا واستخدامه أدوات ذكاء اصطناعي مرتبطة بخدمات مايكروسوفت.
خرق لشروط الخدمة
وبحسب رسالة بعثتها الشركة لوزارة الحرب الإسرائيلية، فإن استغلال خدماتها في مراقبة الاتصالات الفلسطينية يمثل خرقاً واضحاً لشروط الخدمة، خاصة أن الشركة تؤكد دوماً أنها لا توفر أي تقنيات تُمكّن الحكومات أو الجيوش من تنفيذ مراقبة جماعية للمدنيين، سواء في الشرق الأوسط أو أي مكان آخر بالعالم.
سياق القرار: حرب غزة والإبادة الجماعية
يأتي هذا التطور في وقت يواصل فيه الاحتلال الإسرائيلي حربه المدمرة على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، والتي وصفتها منظمات حقوقية دولية بـالإبادة الجماعية. ووفق الإحصاءات الفلسطينية الرسمية، أسفرت الحرب حتى الآن عن 65,502 شهيد و167,376 مصاباً، معظمهم من الأطفال والنساء، فيما أدت المجاعة الناتجة عن الحصار إلى وفاة 442 فلسطينياً، بينهم 147 طفلاً.
انعكاسات سياسية وأخلاقية
خطوة مايكروسوفت أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط الإعلامية والسياسية داخل إسرائيل، حيث أكدت هيئة البث العبرية الرسمية أن القرار يشكل ضربة قوية لواحدة من أهم الوحدات الاستخبارية في الجيش الإسرائيلي، المعروفة بقدراتها التكنولوجية العالية، والتي تعتمد بشكل أساسي على التعاون مع شركات التكنولوجيا الغربية.
ويرى مراقبون أن هذا القرار يمثل سابقة مهمة يمكن أن تدفع شركات أخرى مثل "أمازون" و"جوجل" إلى إعادة النظر في شراكاتها مع الاحتلال الإسرائيلي، خاصة بعد أن تزايدت الضغوط الشعبية والدولية على هذه الشركات لوقف دعمها لأنشطة عسكرية تنتهك حقوق الإنسان.
شركة تضع الأخلاق قبل الربح
وفي رسالته الداخلية للموظفين، شدد الرئيس التنفيذي لمايكروسوفت براد سميث على أن الشركة ليست حكومة ولا دولة، بل كيان تجاري يلتزم بـمعايير أخلاقية وقيم عالمية، مضيفاً: "مسؤوليتنا أن نضمن أن تكنولوجيا مايكروسوفت لن تُستخدم أبداً كأداة للقمع أو لانتهاك الحريات الأساسية للناس".