دخلت الأسواق المصرية مرحلة جديدة من الاضطراب بعد أن سجلت أسعار الفضة أعلى مستوى لها منذ 14 عامًا، حيث قفز سعر الجرام إلى نحو 70 جنيهًا، وهو رقم غير مسبوق يعكس الانهيار المتسارع للعملة المحلية أمام الدولار، وما ترتب عليه من تضخم حاد ضرب كافة السلع، بما فيها المعادن النفيسة. هذا الارتفاع، وإن كان في ظاهره مرتبطًا بحركة الأسواق العالمية، إلا أن انعكاساته في الداخل المصري أكثر قسوة نتيجة هشاشة الاقتصاد، وغياب حلول حقيقية لمعالجة الأزمة الممتدة منذ سنوات.

 

أسعار الفضة اليوم في مصر

وشهدت أسعار الفضة في مصر ارتفاعًا ملحوظًا خلال تعاملات اليوم، حيث بلغ سعر الفضة عيار 800 نحو 56 جنيهًا للغرام بزيادة جنيه واحد عن مستويات السبت الماضي.

وسجل سعر الفضة عيار 925 نحو 65 جنيهًا للغرام، بينما وصل سعر الفضة عيار 999 إلى 70 جنيهًا للمرة الأولى.

كما استقر سعر جنيه الفضة عيار 925 عند 520 جنيهًا، وسط توقعات بمزيد من الصعود في حال استمرار الضغوط العالمية على أسواق المعادن وتراجع قيمة الجنيه أمام الدولار.

 

الفضة تنافس الذهب كملاذ آمن

يرى محللون أن الارتفاع الكبير في أسعار الفضة يعزز من مكانتها إلى جانب الذهب كأحد أهم الملاذات الآمنة، خاصة في ظل الضغوط التضخمية وتراجع الثقة في العملات التقليدية.

ويشير خبراء إلى أن استمرار السياسات النقدية التيسيرية من جانب البنوك المركزية الكبرى، وعلى رأسها الفيدرالي الأمريكي، قد يفتح المجال أمام موجة جديدة من الصعود للفضة خلال الفترة المقبلة.

وتتوقع مؤسسات مالية أن تظل أسعار الفضة مدعومة بمزيج من الطلب الاستثماري والطلب الصناعي، إذ تدخل الفضة في العديد من الصناعات التكنولوجية والطاقة النظيفة، ما يمنحها ميزة إضافية مقارنة بالذهب الذي يعتمد بشكل أكبر على الطلب الاستثماري.

 

الجنيه في مأزق متجدد

لم يكن ارتفاع الفضة سوى نتيجة طبيعية لانهيار الجنيه المستمر أمام الدولار. فمنذ بداية العام، تراجعت قيمة العملة المصرية بشكل غير مسبوق، حتى أصبح الدولار الجمركي يتجاوز 51 جنيهًا، وهو ما انعكس مباشرة على أسعار كافة الواردات والسلع، بما فيها المعادن. في ظل هذا التراجع، تحولت الفضة من معدن يستخدم في بعض الصناعات والمقتنيات البسيطة إلى سلعة باهظة الثمن يعجز المواطن البسيط عن شرائها، شأنها شأن الذهب الذي خرج من متناول معظم المصريين.

 

الحكومة في واد اخر

اللافت أن الحكومة  لم تُبدِ حتى الآن أي خطة واضحة للتعامل مع انهيار العملة أو التضخم كأنها في واد اخر.ف تصريحات المسئولين تركز على إنجازات شكلية ومشروعات غير مرتبطة بالواقع المعيشي، في وقت تتفاقم فيه الأزمات. ارتفاع الفضة اليوم لم يعد مجرد حدث اقتصادي، بل بات رمزًا لانهيار شامل وفقدان ثقة الشارع في قدرة الدولة على إدارة الملف المالي والاقتصادي. ومع ازدياد حالة السخط الشعبي، يبدو أن الغلاء قد يتحول إلى قنبلة اجتماعية في أي لحظة.

 

ارتباط داخلي وخارجي

صحيح أن أسعار المعادن ترتفع عالميًا نتيجة التوترات الجيوسياسية والأزمات المالية الدولية، لكن في حالة مصر، فإن الأزمة مضاعفة. ففي الوقت الذي تستفيد فيه بعض الدول من ارتفاع أسعار الفضة أو الذهب عبر زيادة صادراتها أو حماية عملاتها، تقف مصر عاجزة أمام العاصفة، لأنها مستهلكة بالكامل وتعتمد على الاستيراد، فضلًا عن أعباء ديون خارجية تجاوزت 165 مليار دولار. وبالتالي، فإن أي ارتفاع عالمي يتحول إلى كارثة داخلية بسبب هشاشة البنية الاقتصادية المحلية.

وأخيرا فارتفاع الفضة إلى 70 جنيهًا للجرام ليس مجرد خبر اقتصادي عابر، بل مؤشر إضافي على أن الأزمة المصرية خرجت عن السيطرة. انهيار الجنيه، انفلات التضخم، وفقدان الثقة في السياسات الحكومية، كلها عوامل تقود نحو مستقبل اقتصادي مظلم، يهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي. وفي غياب رؤية إصلاح حقيقية، سيبقى المواطن المصري يدفع ثمن الفشل، جرامًا وراء جرام، حتى في أبسط المعادن التي كانت يومًا متاحة للجميع.