يترقب العالم اليوم الأحد 21 سبتمبر 2025 حدثًا فلكيًا مميزًا يعرف باسم كسوف الاعتدال، وهو كسوف جزئي للشمس يمكن مشاهدته في مناطق محدودة من نصف الكرة الجنوبي، خاصة في نيوزيلندا وجنوب أستراليا وأجزاء من المحيط الهادئ والقارة القطبية الجنوبية. ويعد هذا الحدث هو الكسوف الثاني والأخير للشمس خلال عام 2025، حيث تتاح الفرصة للعلماء والهواة لمتابعته وتوثيقه ضمن سلسلة الظواهر الفلكية النادرة.
ماهية الكسوف الشمسي
الكسوف الشمسي هو ظاهرة تحدث عندما يمر القمر بين الأرض والشمس في وقت الاقتران (المحاق)، فيحجب القمر ضوء الشمس كليًا أو جزئيًا عن بعض مناطق الأرض. ويأخذ الكسوف أشكالًا مختلفة: كلي عندما يغطي القمر كامل قرص الشمس، حلقي عندما يظهر القمر أصغر من الشمس فيترك حلقة مضيئة حوله، وجزئي عندما يحجب جزءًا من قرص الشمس فقط، وهو ما سيشهده العالم اليوم.
أما الخسوف القمري فيختلف تمامًا، إذ يحدث عندما تقع الأرض بين الشمس والقمر عند اكتمال البدر، فيسقط ظل الأرض على القمر. وهذا التباين يوضح القاعدة الفلكية البسيطة التي أشار إليها د. أشرف تادرس، أستاذ الفلك بالمعهد القومي للبحوث الفلكية: لا خسوف للقمر إلا عند البدر، ولا كسوف للشمس إلا عند المحاق.
تفاصيل كسوف 21 سبتمبر
من المنتظر أن يبدأ الكسوف الجزئي للشمس صباح اليوم الأحد بالتوقيت العالمي، ويستمر 4 ساعات و24 دقيقة تقريبًا منذ لحظة بدايته وحتى نهايته. وعند ذروة الكسوف، سيغطي القمر نحو 85.5% من قرص الشمس في أفضل مناطق الرصد الواقعة فوق المحيط الجنوبي بين نيوزيلندا والقارة القطبية الجنوبية.
وتتفاوت نسبة تغطية القمر لقرص الشمس باختلاف الموقع الجغرافي:
في المحيط الجنوبي: تصل النسبة إلى حوالي 80% عند الذروة.
في شبه جزيرة القارة القطبية الجنوبية: لا تتجاوز النسبة 12% قبل غروب الشمس.
في نيوزيلندا وجنوب أستراليا: سيكون الكسوف ملحوظًا لكنه يظل جزئيًا دون أن يغطي الشمس بشكل شبه كامل.
ويؤكد الخبراء أن هذه الظاهرة لن تُرى في أي من الدول العربية أو شمال الكرة الأرضية، بما في ذلك مصر.
الأهمية العلمية والفلكية
لا تقتصر ظواهر الكسوف والخسوف على الجانب الجمالي والإبهار البصري، بل لها أهمية علمية كبيرة. فهي تساعد علماء الفلك على دراسة طبقات الغلاف الجوي للشمس، خاصة الإكليل الشمسي الذي لا يُرى بوضوح إلا أثناء الكسوف الكلي. كما يستفاد منها في تأكيد الحسابات الفلكية المرتبطة ببدايات ونهايات الأشهر القمرية أو الهجرية، إذ تمثل هذه الظواهر دليلاً عمليًا على حركة القمر حول الأرض وحركة الأرض حول الشمس.
ويشير د. تادرس إلى أن هذه الظواهر تتبع دورة زمنية تُعرف بـ دورة ساروس، مدتها حوالي 18 سنة و11 يومًا و8 ساعات، وبعدها تتكرر الكسوفات والخسوفات في نمط مشابه جدًا. وقد عرف البابليون والمصريون القدماء هذه الدورة منذ آلاف السنين واستفادوا منها في وضع التقاويم وتنظيم المواسم الزراعية.
لماذا لا يحدث الكسوف شهريًا؟
رغم أن القمر يدور حول الأرض مرة كل شهر تقريبًا، إلا أن الكسوف أو الخسوف لا يحدثان كل شهر. السبب هو أن مدار القمر يميل بزاوية 5 درجات تقريبًا على مستوى مدار الأرض حول الشمس (دائرة البروج)، لذلك لا يكون القمر دائمًا على استقامة واحدة تسمح بوقوع ظل أحد الأجرام على الآخر. ولحدوث الكسوف أو الخسوف، لا بد أن يكون القمر قريبًا من إحدى العقدتين (الصاعدة أو الهابطة)، وهي النقاط التي يتقاطع فيها مدار القمر مع مدار الأرض.
الجانب التاريخي والثقافي
حازت ظواهر الكسوف والخسوف اهتمامًا كبيرًا منذ العصور القديمة، حيث ارتبطت في أذهان الشعوب بالخوف أو التفسيرات الأسطورية. غير أن التقدم العلمي والفلكي كشف عن حقيقتها الطبيعية، وحولها إلى فرصة للاستكشاف والتأمل في عظمة الكون ودقته الهندسية. واليوم، ينظر إليها على أنها مناسبات علمية وتثقيفية تجمع بين المعرفة والإبهار البصري.
توصيات للمتابعين
على الرغم من أن كسوف اليوم لن يكون مرئيًا في معظم بلدان العالم، إلا أن مراكز الفلك في نيوزيلندا وأستراليا قد تبث الظاهرة مباشرة عبر الإنترنت. وينبه الخبراء إلى ضرورة عدم النظر مباشرة إلى الشمس أثناء الكسوف إلا باستخدام نظارات خاصة أو أدوات رصد معتمدة، لتفادي أضرار بالغة قد تلحق بالعين.
وفي النهاية سيكون كسوف الاعتدال الجزئي اليوم علامة جديدة على دقة حركة الأجرام السماوية وانسجامها في نظام محكم. ورغم أن ملايين البشر لن يتمكنوا من مشاهدته بأعينهم، إلا أن صداه العلمي والإعلامي سيصل إلى العالم بأسره. إنه تذكير بمدى روعة الكون وضرورة التعمق في فهم قوانينه، وفي الوقت نفسه دعوة للتأمل في علاقة الأرض بالقمر والشمس التي تنظم حياة البشر عبر الليل والنهار، والفصول، والتقاويم.