أعلن المدعي العام الإسباني، ألفارو غارسيا أورتيز، عن فتح تحقيق رسمي في الانتهاكات التي ارتكبتها إسرائيل خلال عدوانها المستمر على قطاع غزة، في خطوة نادرة على المستوى الأوروبي.

ويأتي هذا القرار بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، التي كانت قد سعت سابقًا لمساءلة مسؤولين إسرائيليين بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

هذه الخطوة الإسبانية تعكس التزام مدريد بقيم العدالة وحقوق الإنسان، وتضعها في موقف ريادي مقارنة بدول عربية أخرى لم تتحرك لمحاسبة إسرائيل على جرائمها.

تأتي أهمية التحقيق الإسباني في ظل صمت عربي شبه كامل أمام العدوان الإسرائيلي، حيث لم تتخذ معظم الدول العربية خطوات ملموسة لمحاسبة إسرائيل أو حماية المدنيين الفلسطينيين.

ويؤكد المحللون أن هذا العجز العربي يزيد من أهمية دور إسبانيا كقوة أوروبية داعمة للحقوق الفلسطينية، ويبرز مدى تفاوت المواقف الدولية تجاه القضية الفلسطينية.

إسبانيا بذلك تقدم نموذجًا للقوة القانونية والسياسية التي يمكن أن تُستخدم لمساءلة الدول المنتهكة لحقوق الإنسان، حتى في سياق نزاعات معقدة.

 

التحقيق الإسباني: جمع الأدلة ومحاسبة المسؤولين

يهدف التحقيق الإسباني إلى جمع الأدلة والوثائق المتعلقة بالانتهاكات الإسرائيلية في غزة، تمهيدًا لتقديمها إلى المحكمة الجنائية الدولية.

وأكد المدعي العام أن هذا الإجراء ليس مجرد خطوة رمزية، بل يمثل جزءًا من الالتزام الدولي بمكافحة الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد المدنيين.

وتشمل التحقيقات حالات القصف العشوائي للمناطق المدنية، استهداف المدارس والمستشفيات، واستخدام القوة المفرطة ضد السكان الفلسطينيين، بما في ذلك النساء والأطفال.

 

ردود الفعل الدولية: دعم حقوق الإنسان

ردود الفعل الدولية على القرار الإسباني كانت إيجابية بشكل عام، حيث رحبت منظمات حقوق الإنسان والحكومات الداعمة للفلسطينيين بهذه الخطوة، معتبرين إياها دعمًا مهمًا لجهود محاسبة المسؤولين الإسرائيليين.

وأشادت المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق، معتبرةً أن مشاركة الدول الأوروبية بشكل فعّال في جمع الأدلة يسهم في تعزيز العدالة الدولية وحماية المدنيين في مناطق النزاع.

 

التحديات والتهديدات الإسرائيلية

لكن التحقيق الإسباني يواجه تحديات كبيرة، خاصة من الجانب الإسرائيلي، الذي وصف القرار بأنه تدخل في شؤونه الداخلية وتهديد لعلاقاته الدبلوماسية مع إسبانيا.

وقد هددت إسرائيل باتخاذ إجراءات دبلوماسية ضد مدريد، بما في ذلك تقليص التعاون في مجالات عدة، مثل الأمن والدفاع والتجارة.

ومع ذلك، يبدو أن الحكومة الإسبانية مصممة على المضي قدمًا في تحقيقاتها، معتبرةً أن حماية حقوق الإنسان يجب أن تكون فوق أي اعتبارات سياسية أو اقتصادية.

 

العجز العربي أمام العدوان الإسرائيلي

الموقف الإسباني يسلط الضوء أيضًا على العجز العربي المتكرر في مواجهة إسرائيل، حيث تتجنب غالبية الدول العربية اتخاذ خطوات قانونية أو سياسية حقيقية لدعم الفلسطينيين.

هذا الفراغ العربي أعطى الدول الأوروبية، مثل إسبانيا، فرصة لتبوؤ موقع قيادي في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين، وكسر حالة الإفلات من العقاب التي اعتادت إسرائيل الاستفادة منها على مدى سنوات.

في المقابل، يبرز العجز الواضح للقادة العرب والدول العربية أمام الجرائم الإسرائيلية في غزة، حيث لم تتخذ أي من الدول الكبرى أو الجامعة العربية خطوات فعالة لمساءلة إسرائيل أو حماية المدنيين الفلسطينيين.

الاجتماعات الطارئة والبيانات الرسمية غالبًا ما تقتصر على الشعارات والنداءات الرمزية، دون تنفيذ أي إجراءات دبلوماسية أو اقتصادية ملموسة، مثل فرض عقوبات أو مقاطعة سياسية.

هذا التراجع ينعكس بشكل واضح على الشعب الفلسطيني، ويتركه عرضة للعدوان بلا حماية، في حين تتصدر دول أوروبية مثل إسبانيا المشهد القانوني والدبلوماسي وتعمل على محاسبة المسؤولين الإسرائيليين.

يعتبر المحللون أن هذا العجز ليس جديدًا، بل امتدادًا لسلسلة طويلة من المواقف المتخاذلة التي تتسم بالضعف الدبلوماسي والتردد في مواجهة إسرائيل، ما يعكس ضعف التنسيق العربي في ملفات حساسة مثل الأمن الإقليمي وحقوق الإنسان.

بالمقارنة مع الموقف الإسباني، يظهر الفارق الشاسع بين دولة أوروبية تتبنى موقفًا قياديًا فعالًا، وبين أنظمة عربية تحجم عن اتخاذ أي قرارات حقيقية رغم التصريحات الإعلامية، مما يثير تساؤلات حول قدرة هذه الدول على حماية مصالح الفلسطينيين أو فرض أي ضغط على إسرائيل لوقف انتهاكاتها.

ختامًا، يُظهر القرار الإسباني أهمية الدور الأوروبي في محاسبة الدول المنتهكة للقانون الدولي وحقوق الإنسان، ويؤكد أن التحرك القانوني يمكن أن يكون أداة فعّالة للضغط على إسرائيل في غياب تحرك عربي جاد.

في ظل استمرار العدوان على غزة، تبقى إسبانيا نموذجًا يُحتذى به في التزامها بالعدالة والحقوق الإنسانية، في وقت تحتاج فيه القضية الفلسطينية إلى دعم دولي قوي لإحداث فرق ملموس على الأرض.