بحسب مصادر دبلوماسية وتقارير إعلامية، يُعتقد أن الولايات المتحدة مارست ضغوطًا غير مباشرة على عدد من القادة العرب المشاركين في القمة العربية الإسلامية في الدوحة، وذلك بهدف الحد من التصعيد السياسي والاقتصادي ضد إسرائيل بعد الغارات الأخيرة على الأراضي القطرية.
وبينما كانت الأنظار تتجه نحو مواقف الدول العربية والإسلامية، برزت الولايات المتحدة كلاعب خفي في كواليس القمة، عبر تحركات دبلوماسية مكثفة وذات دلالات عميقة.
الضغوط لم تكن علنية، لكنها ظهرت في شكل اتصالات دبلوماسية مكثفة قبل وأثناء القمة، حيث حثت واشنطن بعض الحلفاء الخليجيين على "ضبط النفس" وعدم اتخاذ خطوات قد تؤدي إلى انهيار مسارات التطبيع أو تهدد مصالحها في المنطقة، خصوصًا في ظل التوترات المتزايدة بين إيران وإسرائيل.
بحسب تصريحات منسوبة إلى مسؤول عربي رفيع لم يُذكر اسمه في تقرير نشرته صحيفة "الشرق الأوسط"، فإن "الولايات المتحدة طلبت من بعض الدول عدم اتخاذ قرارات جماعية قد تؤدي إلى عزلة إسرائيل دوليًا، وفضلت التركيز على دعم جهود الوساطة."
زيارة وزير الخارجية الأمريكي: توقيت محسوب ورسائل مبطنة
قبل أيام من انعقاد القمة، قام وزير الخارجية الأمريكي بزيارة خاطفة إلى الرياض والدوحة، التقى خلالها بعدد من القادة الخليجيين. ورغم أن الزيارة لم تُعلن رسميًا كجزء من التحضير للقمة، إلا أن توقيتها أثار تساؤلات حول أهدافها الحقيقية.
يرى المحلل السياسي اللبناني د. سامي نصر أن "الزيارة كانت تهدف إلى احتواء أي تصعيد محتمل ضد إسرائيل، وضمان أن لا تتحول القمة إلى منصة لإجراءات عقابية أو قرارات جماعية قد تربك واشنطن في ملفات التطبيع والطاقة."
ويضيف أن "الرسالة الأمريكية كانت واضحة: لا نريد أن تتجاوز القمة حدود الإدانة الرمزية."
هل تناور واشنطن لصالح إسرائيل؟
يشير الكاتب الصحفي وائل قنديل إلى "رحلة وزير خارجية أميركا إلى القدس المحتلة، ماركو روبيو، ليتقمّص دور زعماء الصهيونية الدينية الذين يسيطرون على الحكم في إسرائيل، وزير الأمن إيتمار بن غفير والمالية بيتسلئيل سموتريتش، مرتديًا الطاقية اليهودية، ليقف عند حائط البراق في المسجد الأقصى المبارك، رفقة بنيامين نتنياهو وسفير واشطن في تل أبيب، ويؤدّي الصلوات اليهودية، فيعلن نتنياهو على الفور أنّ التحالف بين إسرائيل والولايات المتحدة أقوى من أي وقت مضى."
ويؤكد قنديل أن "المعنى نفسه شدّد عليه وزير خارجية دونالد ترامب قبل أن يشدّ الرحال إلى الكيان الصهيوني، إذ أعلن أنّ العدوان على قطر "لن يغيّر طبيعة علاقتنا مع إسرائيل، لكن سيكون علينا أن نتحدّث عنه (وعن) التأثير الذي سيخلفه خصوصًا". ... هذه الحقائق وغيرها يجب أن تكون في صلب أعمال القمّة العربية الإسلامية المنعقدة بقصد التصدّي للتهديدات الإسرائيلية المُباشرة والصريحة بضرب أيّ دولة عربية أو إسلامية تستقبل السياسيين من قادة الفصائل الفلسطينية المقاومة، وفي مقدّمتها حركة حماس التي حسنًا فعلت، حينما ذكّرت المجتمعين اليوم بأنها "حركة تحرّر وطني منتخبة، تسعى إلى إنجاز حقوق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال، ولا يجوز اعتبار قادتها أهدافًا عسكرية لتبرير جرائم الاحتلال".
ومن وجهة نظر الكاتب الصحفي، فإنه "لا فائدة من ألف قمّة عربية إسلامية تُعقد من دون أن يتحرّر المشاركون فيها من أوهام اعتبار الإدارة الأميركية الراهنة طرفًا محايدًا أو وسيطًا بين إسرائيل وأعدائها، أو اعتبار ترامب شخصيًّا مرجعية سياسية أو أخلاقية عند مقاربة القضية الفلسطينية بمواجهة الاحتلال، ذلك أن هذه الإدارة لا تترُك مناسبة إلا وتظهر فيها كأنها الذراع الدبلوماسية والإعلامية للاحتلال، ناهيك عن اضطلاعها بمهمّاته العسكرية، حين يقرّر شن عدوان على خصومه، كما جرى مع إيران وكما يجري الآن مع اليمن ولبنان وغزّة بالطبع، حيث تبدو الممارسات الإجرامية الإسرائيلية في قطاع غزّة وكأنها تطبيق للرؤية السياسية الأميركية للصراع."
من الواضح أن واشنطن تسعى للحفاظ على توازن دقيق في المنطقة، لكنها – بحسب مراقبين – تميل بشكل واضح إلى حماية مصالح إسرائيل، حتى لو كان ذلك على حساب المواقف العربية.
تقول الباحثة في العلاقات الدولية، د. هالة عبد الرحمن: "الولايات المتحدة لا تريد أن ترى أي تراجع في مسار التطبيع، حتى لو كان الثمن هو تجاهل العدوان الإسرائيلي على دولة عربية."
وتضيف أن "المناورة الأمريكية تتمثل في تقديم نفسها كوسيط نزيه، بينما تعمل فعليًا على تحييد أي موقف جماعي قد يُحرج إسرائيل دوليًا."
ضغوط أمريكية خلف الستار
بحسب مصادر دبلوماسية مطلعة، مارست واشنطن ضغوطًا غير مباشرة على عدد من الدول العربية المؤثرة، من بينها السعودية والإمارات ومصر، لحثها على تبني خطاب "متوازن" لا يهدد مصالح إسرائيل أو يعطل مسار اتفاقيات أبراهام.
الخبير في الشؤون الخليجية، نواف العتيبي، يؤكد أن "الولايات المتحدة استخدمت أدوات النفوذ التقليدية: التلويح بالمساعدات العسكرية، والتعاون الاستخباراتي، وحتى ملفات الطاقة، للضغط على بعض القادة."
ويضيف أن "البيان الختامي للقمة جاء ضعيفًا مقارنة بحجم الحدث، وربما يعود ذلك جزئيًا إلى هذه الضغوط."
ويقول الدكتور فهد العتيبي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الكويت: "الضغوط الأمريكية ليست جديدة، لكنها هذه المرة جاءت في سياق حساس، حيث تحاول واشنطن الحفاظ على توازن دقيق بين دعم إسرائيل وبين تهدئة الغضب العربي."
ويضيف أن "البيان الختامي للقمة جاء أقل من المتوقع، وربما يعود ذلك جزئيًا إلى تأثير هذه الضغوط، خاصة أن بعض الدول تعتمد بشكل كبير على الدعم العسكري والاقتصادي الأمريكي."
أما الباحثة في الشؤون الخليجية، نجلاء السهلي، فترى أن "الولايات المتحدة لا تريد أن ترى القمة تتحول إلى منصة لتقويض اتفاقيات أبراهام، لذلك كان هناك حرص على إبقاء الخطاب ضمن حدود الدبلوماسية."
أثر الضغوط على مخرجات القمة
البيان الختامي للقمة اكتفى بإدانة العدوان الإسرائيلي، والدعوة إلى ضبط النفس، دون أي قرارات تنفيذية أو إجراءات عقابية. وقد أثار ذلك موجة من الانتقادات الشعبية والإعلامية، اعتبرت أن القمة خضعت لضغوط خارجية، وعلى رأسها الأمريكية.
الدكتور عبد الله الشمري، الباحث في العلاقات الدولية، يرى أن القمة "أعادت إنتاج الخطاب التقليدي الذي لم ينجح في ردع إسرائيل منذ عقود"، مضيفًا:
"الاكتفاء بالشجب والتنديد يضعف الموقف العربي والإسلامي، ويمنح إسرائيل ضوءًا أخضر لمواصلة انتهاكاتها دون خشية من رد فعل جماعي."
أما الإعلامي الفلسطيني أحمد داود، فقد اعتبر أن البيان "يفتقر إلى الجرأة السياسية"، مشيرًا إلى أن "الحديث عن تهديد جهود السلام والتطبيع يوحي بأن المشكلة تكمن في تعطيل العلاقات مع إسرائيل، وليس في الجرائم التي ترتكبها بحق المدنيين."
من جهته، قال المحلل السياسي التركي مراد أوزدمير إن القمة "فشلت في استثمار لحظة إجماع نادرة لصياغة موقف عملي، واكتفت بلغة دبلوماسية لا تُحدث فرقًا على الأرض."
خلاصة المشهد
القمة العربية الإسلامية في الدوحة كانت فرصة تاريخية لإعادة رسم العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي على أسس جديدة أكثر صرامة، لكنها – بحسب كثير من المحللين – ضيّعت هذه الفرصة، وتحولت القمة إلى جلسة مجاملة دولية، بفضل التدخلات الأمريكية.
العديد من الدول العربية وجدت نفسها في موقف معقد: من جهة، هناك ضغط شعبي هائل لاتخاذ موقف صارم ضد إسرائيل؛ ومن جهة أخرى، هناك مصالح استراتيجية واقتصادية مع الولايات المتحدة يصعب تجاهلها. هذا التوازن الدقيق قد يكون السبب وراء ما وصفه البعض بـ"البيان الرمادي" الذي صدر عن القمة.
ومن جهة أخرى؛ فقد نجحت التحركات الأمريكية قبل وأثناء قمة الدوحة في احتواء الغضب العربي، ومنع أي تصعيد قد يُربك واشنطن أو يهدد مصالح إسرائيل. وبينما تستمر إسرائيل في سياساتها العدوانية، يبقى السؤال: هل تستطيع الدول العربية كسر هذا الطوق الدبلوماسي الأمريكي، أم أن القمم ستظل رهينة التوازنات الدولية؟