انعقدت القمة العربية ـ الإسلامية الطارئة في الدوحة يوم 15 سبتمبر 2025 بدعوة من أمير قطر لمناقشة «العدوان الإسرائيلي» الذي استهدف مواقع داخل العاصمة القطرية في 9 سبتمبر 2025، وأسفر عن سقوط قتلى من قيادات وفِرَق تفاوضية ومن مدنيين، فيما وصفت الدوحة الهجوم بأنه “جبان وغادر.

خلال القمة تكررت الإدانة، ومعها أرقام مأساوية عن الخسائر في غزة التي يستخدمها القادة لتبرير الحاجة إلى موقف موحّد؛ وكما ذكرت وكالات دولية، تُشير تقارير رسمية محلية إلى عشرات الآلاف من القتلى منذ أكتوبر 2023، وهي أرقام صارخة تُستدعى لتسليط الضوء على طابع «الطوارئ» في القمة.

 

كلام كبير.. وعمليات سياسية صغيرة

تحدث أمير قطر عن ضرورة «خطوات عملية» ضد إسرائيل، ووصف الهجوم بأنه انتهاك صارخ للسيادة، بينما دعا زعماء آخرون إلى «مراجعة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية» مع تل أبيب.

في اللحظة نفسها، تبنّى عدد من القادة لهجة مدوية في البيانات الختامية، لكن هذه الخطابات لم تُترجم إلى إجراءات ملموسة أو قرارات إشكالية من شأنها أن تعيد رسم خرائط التحالفات الإقليمية.

 

أين فشل القادة العرب؟ نقاط أربعة توضح الإخفاق

  1. غياب آليات تنفيذية واضحة: القمة انتهت ببيان إدانة ودعوات عامة لـ«مراجعة» العلاقات، لكن من دون جداول زمنية أو آليات تنفيذ أو عقوبات محددة على علاقة رسمية مع إسرائيل. هذا الفراغ التنفيذي كان واضحاً بحسب تقارير ميدانية ومحلّلين.
  2. تباين المصالح والدوافع: دولٌ مثل السعودية والإمارات تنظر اليوم بعين استراتيجية إلى ملفات التطبيع والعلاقات مع واشنطن، ما يجعلها مترددة في خطوات متهورة قد تُعرّض مكتسبات دبلوماسية أو اقتصادية، هذا التباين أعاد إنتاج زعزعة موقف القمة.
  3. اعتماد على أمريكا كضامن أمني: كثير من دول الخليج لم تبدِ استعداداً للتصعيد العسكري أو قطع كامل للعلاقات، لأن واشنطن تظل عامل ضبط مهم في حساباتهم الإقليمية؛ وغياب موقف أميركي حازم أعاق نتائج عملية وملموسة.
  4. خطاب بلا متابعة من بعض الأطراف التقليدية: حكومات ذات علاقات سلام قائمة مع إسرائيل اختارت اللغة الدبلوماسية بدلاً من قرارات فصلية، ما أضعف وحدانية الموقف.

 

السيسي في الدوحة.. مصلحة محفوظة؟

حضر قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي وألقى كلمة استنكارية شدّد فيها على أن تصرفات إسرائيل «تعرقل فرص السلام» وقد «تُجهض الاتفاقات القائمة» تصريح رسمي منشور عبر رئاسة الانقلاب، لكنّ هذا الخطاب لم يصحبه موقفٍ مصري متقدّم يبدّد الشكوك حول تردّد القاهرة.

الملاحظ أن خطاب السيسي ظل ضمن مألوفاته؛ استنكار علني مع حذر عملي تجاه خطوات قد تعرّض اتفاقية السلام أو مصالح الدولة لمخاطر مباشرة.

 

لماذا تبدو القاهرة مسؤولة جزئياً عن فشل وحدة الموقف؟

من زاوية نقدية، يمكن القول إن مصر تحت حكم السيسي اختارت المقاربة التقليدية: حماية موازين الأمن الوطني والتوازنات الاقتصادية مع الحفاظ على قنوات اتصال مع واشنطن وتجنّب المواجهة المفتوحة.

النتيجة العملية؛ خطاب شديد اللهجة في المنابر الدولية، وامتناع عن خطوات فعلية تُقدّم ثمنًا دبلوماسياً أو عسكرياً، هذا التماهي مع «الواقعية السياسية» بات يُقرأ كعامل يساهم في إضعاف أي إجماع عربي ملموس.

 

تصريحات بلا أثر..

قمة الدوحة كشفت تناقضاً فاضحاً؛ زعماء قادرون على إصدار بيانات قوية وعاطفية، لكنهم غير قادرين على الدفع نحو قرارات ذات تكلفة.

فالمشكلة ليست فقط في الكلمات المنطوق بها، بل في غياب استراتيجية عربية فعلية تُحوّل الإدانة إلى موقف موحّد منسق يُحسَب له أثر.

القمة انتهت بـ«إدانة» و«دعوات للمراجعة»، لكنها فشلت في صناعة أدوات رادعة أو خطط تطبيقية تُجبر إسرائيل على التراجع أو تُعزّز حماية سيادة الدول العربية.

تقوقع الزعماء خلف المصالح الآنية والضمانات الأمريكية أعاد إنتاج نفس ديناميكيات الفشل التي نعانيها منذ عقود.