عكست تصريحات حسام زكي، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، واقعًا مأزومًا في العمل العربي المشترك، حيث أكد أن الظروف غير مواتية لمناقشة تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك، مبررًا أن مخرجات القمة الطارئة في الدوحة تتسم بالعقلانية حتى وإن لم ترقَ إلى مستوى طموح الشارع العربي.
في المقابل، يرى مراقبون أن هذه التصريحات تكشف حدود الجامعة العربية والعجز الدائم عن اتخاذ خطوات حقيقية في مواجهة التحديات الإقليمية، خصوصًا مع تصاعد العدوان الإسرائيلي، فما فائدة تلك القمة؟.
الدفاع العربي المشترك.. اتفاقية بلا روح
منذ إقرار اتفاقية الدفاع العربي المشترك في خمسينيات القرن الماضي، لم يتم تفعيلها عمليًا في أي مواجهة تخص الأمن القومي العربي. وزاد حسام زكي الطين بلة حين أقر بأن الظروف السياسية والواقع المنقسم بين العواصم العربية يجعل مناقشة هذه الاتفاقية أمرًا غير مطروح أصلًا. ما يعني أن الجامعة العربية تسلم بعجزها المسبق، وتتعامل مع قضايا الأمن والدفاع بصفته خطًا أحمر لا يمكن الاقتراب منه، خوفًا من تفجر الخلافات بين الدول الأعضاء.
مخرجات القمة الطارئة.. عقلانية شكلية
وصف زكي مخرجات القمة العربية-الإسلامية في الدوحة بالعقلانية، لكنه لم ينكر أنها لم تلبي تطلعات الشارع. فالمخرجات اقتصرت على بيانات إدانة ومواقف دبلوماسية تقليدية، دون أن تمس المصالح الفعلية للاحتلال أو تفرض أي عقوبات أو خطوات ضاغطة. هذا النمط بات مألوفًا في القمم العربية: توازن هش بين ما تريده الشعوب من قرارات حازمة، وما تسمح به حسابات الحكومات ومصالحها المتشابكة مع القوى الدولية.
التوافق العربي.. بروباغندا بوجهٍ آخر
رغم أن زكي اعتبر أن الاتجاه العام للقمة هو "التوافق"، إلا أن واقع الحال يكشف أن الحديث عن التوافق ليس إلا غطاءً لبروباغندا سياسية هدفها الوحيد حفظ ماء الوجه أمام الجماهير الغاضبة. فهذه القمم، سواء وُصفت بالعربية أو الإسلامية، لا تثمن ولا تغني من جوع، لأنها لا تملك الإرادة ولا تجرؤ على اتخاذ أي قرار عملي ضد الكيان الصهيوني. المخرجات إذن أشبه بعروض إعلامية موجهة للاستهلاك المحلي، فيما يظل الاحتلال يتمدد على الأرض بلا رادع، وسط صمت رسمي يبرره السعي وراء "الإجماع".
الفجوة بين الشارع والحكومات
هذا المشهد يكرس فجوة متسعة بين الشارع العربي الذي يطالب بمواجهة مباشرة وحقيقية مع إسرائيل، وبين الحكومات التي تكتفي بإدارة الملف على الورق. الجماهير ترى في القمم مجرد مسرحيات سياسية لا تختلف كثيرًا عن بيانات الإدانة المكررة، بينما الأنظمة تفضل اللعب في هامش ضيق يضمن لها البقاء بعيدًا عن الصدام مع حلفائها الغربيين، حتى وإن كان الثمن هو فقدان ما تبقى من مصداقية أمام شعوبها.
وخلاصة تصريحات حسام زكي فإنها لم تأتي لتوصيف الواقع، بل اعتراف ضمني بعجز الجامعة العربية وفشلها في لعب دورها المفترض كمنصة للعمل العربي المشترك. وإذا استمر التعاطي مع الأزمات الكبرى بهذه العقلية، فإن القمم ستبقى مجرد مناسبات شكلية للتقاط الصور وتبادل الخطب، بينما القضايا المصيرية، وفي مقدمتها مواجهة الاحتلال، تظل أسيرة التردد والتبرير. ويبقى السؤال الأهم: إلى متى ستبقى الشعوب العربية رهينة لمثل هذا العجز الممنهج؟