أكد عضو المكتب السياسي لحركة حماس محمد نزال أن جميع الروايات التي تم تداولها حول امتلاك الحركة معلومات استخباراتية مسبقة عن عملية استهداف وفدها المفاوض في العاصمة القطرية الدوحة، غير صحيحة على الإطلاق.
وأوضح نزال في مقابلة صحفية مع موقع "عربي 21" أن الهجوم الصاروخي الذي شنّه جيش الاحتلال الإسرائيلي كان يستهدف الوفد المفاوض، لكنه فشل فشلًا ذريعًا، حيث نجا القادة المستهدفون جميعهم، في حين استُشهد خمسة من المرافقين والإداريين، بينهم همام نجل القيادي خليل الحية، بالإضافة إلى رجل الأمن القطري بدر الحميدي الدوسري.
وأضاف نزال أن العملية جاءت في وقت كان فيه الوفد مجتمعًا لمناقشة المبادرة الأمريكية لوقف حرب الإبادة في غزة، وذلك بعد يوم واحد من اجتماعهم مع رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني. واعتبر نزال أن التوقيت ليس صدفة، بل يعكس محاولة متعمّدة لنسف مسار الوساطة.
أدلة ونفي: محطات شهادة نزال
تابع نزال مؤكدًا أن ما أُشيع حول تلقي الحركة إنذارات محددة من مصر أو تركيا أو غيرهما قبل الضربة ليس سوى “روايات مختلقة”. وقال: "لو كنا نمتلك معلومات دقيقة، لكنا أخلينا منزل الأخ خليل الحية وعائلته، ولكانت الإجراءات أكثر صرامة"، مشددًا على أن ما ورد للحركة لم يكن سوى تحذيرات عامة عن نوايا الاحتلال لاستهداف قادة حماس في الخارج، دون تحديد زمان أو مكان.
وأشار نزال إلى أن الحركة تعاملت مع هذه التهديدات العلنية بجدية عالية، واتخذت إجراءات وقائية مشددة في أماكن وجود قادتها وكوادرها، وهو ما أسهم في إفشال العملية، مؤكدًا أن نجاة الوفد المفاوض جاءت بلطف الله أولًا، ثم بفضل هذه الإجراءات الأمنية.
الوساطة تحت القصف: ضياع الثقة أم اختبار الحياد؟
وأوضح نزال أن استهداف الوفد في الدوحة مثّل ضربة قاسية لمسار الوساطة، لأنه انتهاك مباشر لسيادة دولة قطر، الدولة الراعية للمفاوضات. وقال: "ما جرى لا يضرّ بنا وحدنا، بل يقوّض ثقة الوسطاء ويفتح الباب أمام التشكيك في جدوى أي مسار تفاوضي إذا لم تُحترم الدول المضيفة".
وتابع نزال أن الاحتلال أراد من خلال هذه العملية أن يوجّه رسائل ضغط إلى قطر نفسها، لإجبارها على التخلي عن حيادها، لكنه فشل في ذلك، مشيرًا إلى أن قطر احتضنت قيادة الحركة منذ أكثر من 25 عامًا، وأن مطالبات نتنياهو الأخيرة بطردها ليست سوى محاولة ابتزاز سياسي بعد فشله في تحقيق ما أسماه "النصر المطلق".
التداعيات على التفاوض: هل تتوقف القنوات أم تتبدّل؟
أضاف نزال أن الحركة ستدرس الموقف من العملية التفاوضية داخل أطرها القيادية، بالتشاور مع الفصائل الفلسطينية والوسطاء والحلفاء، قبل اتخاذ قرار نهائي بشأن الاستمرار أو التجميد. لكنه شدد في الوقت ذاته على أن حماس مع أي اتفاق يؤدي إلى وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح الأسرى من الجانبين، والشروع في إدخال المساعدات الإنسانية وفتح الممرات الحيوية.
وأكد نزال أن نتنياهو لا يريد وقف الحرب، بل يسعى فقط للتخلص من عبء الأسرى، ثم مواصلة حرب الإبادة على غزة، معتبرًا أن ما يجعله متعنّتًا هو الدعم الأمريكي المطلق والموقف العربي “البائس”، حسب وصفه.
درس التاريخ: من عمّان 1997 إلى الدوحة 2025
ولم يستبعد نزال المقارنة بين محاولة اغتيال خالد مشعل في عمان عام 1997، والمحاولة الأخيرة في الدوحة عام 2025. وأوضح أن التشابه يكمن في أن كلتا العمليتين استهدفتا قيادات سياسية في دول تُصنَّف بالاعتدال، لكن الفارق أن عملية عمان جرت بسرية دون اعتراف إسرائيلي رسمي، فيما أعلن الاحتلال مسؤوليته عن عملية الدوحة فور وقوعها.
وأشار نزال إلى أن الإدارة الأمريكية لم تكن على علم بعملية عمان، بينما كانت على علم مسبق بعملية الدوحة، الأمر الذي يطرح علامات استفهام حول التواطؤ أو التغاضي عن الانتهاك الصارخ للسيادة القطرية.
الساحة المندلعة: فشل اغتيال يبدّل موازين النفوذ
أكد نزال أن فشل عملية الاغتيال ستكون له ارتدادات سلبية على نتنياهو شخصيًا، إذ كان يستعد لإعلان "النصر المطلق"، لكنه بدلًا من ذلك تجرّع مرارة الفشل الذريع، على حد قوله. وقال: "أراد أن يمكر بنا، فتحولت العملية إلى كابوس يقضّ مضجعه"، لافتًا إلى أن النجاحات التي حققها الاحتلال سابقًا في استهدافات خارجية جعلت نتنياهو يتوهم القدرة على الوصول إلى أي مكان، لكن عملية الدوحة أثبتت أن هذه القدرة ليست مطلقة.
وأشار نزال إلى أن ردود الفعل الدولية والعربية كانت قوية، باستثناء الموقف الأمريكي الذي وصفه بالملتبس والمتناقض. وقال: "نحتاج إلى الانتقال من الإدانات اللفظية إلى خطوات عملية تحاصر الكيان وتعزله وتردعه"، داعيًا القمة العربية الإسلامية الطارئة المقرر عقدها في الدوحة إلى اتخاذ قرارات جريئة تتجاوز “الإدانة بأشد العبارات”.
وفي ما يتعلق بموقف السلطة الفلسطينية، عبّر نزال عن أسفه لاكتفائها بإدانة العدوان على قطر دون التطرق إلى استهداف قادة الحركة أو نعي الشهداء، مؤكدًا أن ذلك يعكس عدم ارتقاء السلطة إلى مستوى المسؤولية الوطنية.
الوقائع والادعاءات: حوارٌ عن استخباراتٍ، ووساطةٍ، وثمن التفاوض
تطرّق نزال إلى تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب التي أكد فيها أن الهجوم على قطر كان قرارًا من نتنياهو، وأنه لن يتكرر. وردّ نزال قائلًا: "لا نثق بتصريحات ترامب، فقد تبيّن أن الإخطار وصل متزامنًا مع تنفيذ الضربة، ما يعني أن الإدارة الأمريكية كانت على علم وربما متواطئة".
كما أشار نزال إلى أن مطالبات نزع سلاح المقاومة غير واقعية ومرفوضة، قائلًا: "سلاحنا ليس ترفًا، بل وسيلة للدفاع عن شعبنا، ولن نلقيه إلا إذا قامت دولة فلسطينية مستقلة قادرة على الحماية". وأكد أن عمليات المقاومة الأخيرة، رغم تواضع أدواتها، كبّدت الاحتلال خسائر كبيرة، وهو ما يثبت أهمية السلاح مهما كان متواضعًا.
وعن مستقبل غزة بعد الحرب، أوضح نزال أن حماس اقترحت تشكيل لجنة وطنية لإدارة القطاع بعد وقف الحرب، وقدّمت الفصائل الفلسطينية أسماء عديدة، لكن المبادرة ما تزال متوقفة بانتظار اتفاق نهائي يضمن اعتمادها.