في تطور جديد يعكس تصاعد القلق الدولي من استمرار الحرب في السودان وتداعياتها الإنسانية الكارثية، أصدرت أربع دول كبرى " مصر وأمريكا والسعودية والإمارات "، بياناً مشتركاً شددت فيه على ضرورة الحفاظ على وحدة السودان وسيادته وسلامة أراضيه، مع المطالبة بإقرار هدنة إنسانية لثلاثة أشهر تمهيداً للوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار بين طرفي الصراع.
حرب مستمرة وتداعيات إنسانية مروعة
يدخل النزاع في السودان شهره الثامن عشر وسط حالة من الدمار الشامل للمؤسسات والبنية التحتية، فيما يعاني ملايين المدنيين من غياب الأمن الغذائي وانهيار الخدمات الطبية والإنسانية.
وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 12 مليون شخص نزحوا داخلياً وخارجياً منذ اندلاع الحرب، في واحدة من أكبر موجات النزوح التي يشهدها العالم حالياً.
كما حذرت منظمات إنسانية من أن البلاد تقف على أعتاب مجاعة غير مسبوقة إذا لم يُسمح بإدخال المساعدات بشكل عاجل وآمن إلى المناطق المنكوبة.
تفاصيل البيان المشترك
البيان الصادر عن الولايات المتحدة، السعودية، مصر والإمارات ركز على ثلاثة محاور أساسية:
- تجديد الالتزام بوحدة السودان ومنع تقسيمه أو تفتيته إلى مناطق نفوذ متصارعة.
- الدعوة إلى هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر يتم خلالها السماح بمرور المساعدات دون عوائق وضمان حماية المدنيين.
- التمهيد لمفاوضات سياسية شاملة تؤدي إلى وقف دائم لإطلاق النار ووضع خارطة طريق لحل سياسي يشارك فيه جميع الفاعلين السودانيين.
وأكد البيان أن الحل العسكري للصراع غير ممكن، وأن السبيل الوحيد لإنقاذ البلاد يتمثل في التوافق على عملية سياسية شاملة تعالج جذور الأزمة وتضمن بناء دولة مدنية مستقرة.
ضغوط دولية متزايدة
هذا البيان يعكس اتساع نطاق الضغوط الدولية على طرفي النزاع – الجيش السوداني وقوات الدعم السريع – لوقف العمليات العسكرية.
فقد بات واضحاً أن استمرار القتال لا يخدم سوى تعميق الأزمة الإنسانية وتوسيع رقعة الفوضى، بما يهدد استقرار المنطقة بأسرها.
ورغم تعدد المبادرات السابقة، فإن معظمها تعثر بسبب غياب الإرادة السياسية الحقيقية من جانب القادة العسكريين، إضافة إلى التدخلات الإقليمية التي غذّت النزاع بالمال والسلاح.
لذلك، يرى مراقبون أن البيان الأخير يشكل محاولة جديدة لـ"كسر الجمود"، لكنه سيحتاج إلى ضمانات عملية تفرض على الأطراف احترام الهدنة المقترحة.
دور إقليمي ودولي حساس
اللافت في البيان أنه جاء موقعاً من دول ترتبط كل منها بعلاقات معقدة مع أطراف النزاع.
فالولايات المتحدة سبق أن رعت جولات تفاوض في جدة، بينما تلعب السعودية دوراً محورياً في استضافة المحادثات.
أما مصر، فلها تأثير مباشر على الجيش السوداني، في حين ترتبط الإمارات بعلاقات واسعة مع الدعم السريع.
ويرى خبراء أن اجتماع هذه الدول الأربع على موقف واحد يعكس إدراكها لخطورة استمرار الحرب، خاصة مع تحذيرات أممية من أن السودان قد ينزلق إلى مصير مشابه للصومال أو ليبيا إذا لم يتم احتواء الصراع سريعاً.
التحديات أمام الهدنة
ورغم الترحيب الواسع بالبيان، إلا أن الطريق إلى هدنة فعلية ما زال مليئاً بالعقبات.
فالتجارب السابقة أظهرت أن الهدن غالباً ما تُخرق بعد ساعات من إعلانها، بسبب غياب آلية مراقبة فعالة.
كما أن الثقة بين الطرفين تكاد تكون معدومة، ما يجعل من الصعب الالتزام بأي ترتيبات مشتركة.
إضافة إلى ذلك، يعاني المجتمع الدولي من انقسام في أولوياته؛ فبينما تركز بعض الدول على الملف الإنساني، ينظر آخرون إلى السودان من زاوية الجغرافيا السياسية وصراع النفوذ. وهذا التباين قد يعرقل أي اتفاق طويل الأمد.
أفق الحل السياسي
مع ذلك، فإن التأكيد المتكرر على وحدة السودان وضرورة الحل السياسي يعكس إدراكاً متزايداً بأن البديل عن التوافق هو انهيار الدولة بالكامل.
ومن شأن نجاح هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر أن يمنح الأطراف فرصة لالتقاط الأنفاس، ويتيح للقوى المدنية والمجتمع الدولي التحرك نحو تسوية شاملة تعيد البلاد إلى مسار الانتقال الديمقراطي الذي تعثر بعد انقلاب 2021.
لكن نجاح هذه المساعي سيعتمد بالأساس على مدى استعداد قادة الجيش والدعم السريع لتقديم تنازلات، وعلى ضغط المجتمع الدولي لفرض تكلفة سياسية وعسكرية على من يعرقل السلام.