لم يكن القصف الإسرائيلي للدوحة مجرد عملية عسكرية تستهدف قادة حركة حماس، بل جاء – وفق تقديرات مراقبين – ضمن خطة أوسع تهدف إلى إعادة رسم خريطة النفوذ في الملف الفلسطيني، عبر إضعاف حضور قطر كراعٍ سياسي للحركة، وتحويل وجهة المفاوضات نحو القاهرة، الحليف الأمني الأقرب لإسرائيل.

وبينما فشلت الغارات في تصفية القادة السياسيين لحماس، فإن نتائجها السياسية قد تُعيد مصر إلى صدارة المشهد باعتبارها الطرف "الموثوق" من جانب تل أبيب.
 

الدوحة تحت النار.. والرسالة تتجاوز حماس
في الرابع من سبتمبر، شنت المقاتلات الإسرائيلية غارات عنيفة على مبانٍ سكنية في العاصمة القطرية الدوحة، استهدفت قيادات من حماس كانوا مجتمعين لمناقشة مقترحات أميركية لإنهاء الحرب في غزة.
ورغم أن القادة الرئيسيين نجوا من الاستهداف، إلا أن الضربة وجهت رسالة مزدوجة: أولاً لحماس بأن ملاذاتها لم تعد آمنة، وثانيًا لقطر بأن دورها كراعٍ سياسي بات مهدداً.

تسريبات إعلامية أوضحت أن إسرائيل حرصت على تنفيذ العملية بتخطيط بالغ السرية، متجنبة إبلاغ واشنطن مسبقًا، كما أطلقت صواريخها عبر الفضاء فوق السعودية لتفادي الدخول المباشر في أجواء عربية.
غير أن دلالات العملية تتجاوز البعد العسكري لتكشف عن محاولة واضحة لإضعاف الدور القطري في الملف الفلسطيني.
 

القاهرة.. البديل المفضل لتل أبيب
مصادر أمنية مصرية رفيعة المستوى أكدت لموقع ميدل إيست آي أن إسرائيل أبدت في الأشهر الأخيرة رغبة في جعل القاهرة مركز المفاوضات الرئيسي مع حماس، باعتبارها دولة تملك نفوذاً مباشراً على الحركة وفي نفس الوقت ترتبط بعلاقات أمنية قوية مع تل أبيب.

وأضافت المصادر أن القاهرة أحبطت بالفعل محاولات إسرائيلية سابقة لاستهداف قادة حماس على أراضيها خلال مفاوضات وقف إطلاق النار، لكنها في الوقت ذاته تمسك بخيوط حساسة تجعلها شريكاً لا غنى عنه لإسرائيل.
فوجود قيادات من حماس في مصر منذ سنوات طويلة، تحت مراقبة أمنية مشددة، يمنح القاهرة ورقة ضغط يصعب تجاهلها.
 

مصر بين الوساطة والقبضة الأمنية
رغم أن مصر لم تعلن رسميًا عن استضافة قادة حماس، إلا أن تقارير عدة أشارت إلى إقامتهم داخل أراضيها بعيدًا عن الأضواء.
وفي هذا السياق، يرى مراقبون أن إسرائيل قد تجد في القاهرة الضامن الأكثر صلابة للسيطرة على الحركة، ليس فقط عبر المفاوضات، بل أيضاً عبر القيود الأمنية التي يمكن أن تُفرض على تحركات قادتها.

مصدر أمني مصري وصف أي محاولة إسرائيلية لاستهداف قيادات حماس بالقاهرة بأنها "إعلان حرب"، لكنه في الوقت ذاته أقر بأن وجود هؤلاء القادة يخضع لترتيبات دقيقة بين القاهرة وتل أبيب، بما يضمن بقاء المفاوضات في أيدي الطرفين.
 

تراجع قطر وصعود مصر
بعد الهجوم على الدوحة، بدا واضحاً أن قطر لم تعد المكان الآمن الذي اعتادت حماس العمل من خلاله.
وبحسب محللين، فإن الضربة جاءت لإعادة صياغة أدوار اللاعبين الإقليميين: إخراج قطر من دائرة الثقة، وإجبار حماس على التوجه إلى مصر كملاذ ومركز للمحادثات.

هذا التحول يعزز ما تعتبره إسرائيل ميزة استراتيجية: القاهرة شريك قديم في اتفاقيات السلام، وتدير حدود غزة عبر معبر رفح، ما يمنحها أوراقاً ميدانية لا تمتلكها أي دولة أخرى.
 

رسائل القوة المصرية
في الوقت نفسه، حرصت مصر على التأكيد أنها لن تسمح بتجاوز سيادتها. فقد نشر الجيش المصري أنظمة دفاع جوي صينية متطورة في سيناء، ونحو 40 ألف جندي على الحدود مع غزة، لمنع أي محاولة لاختراق أراضيها أو دفع الفلسطينيين نحو النزوح القسري.
هذه الخطوات رسخت صورة مصر كدولة قادرة على ضبط الإيقاع الأمني، وهو ما قد يطمئن إسرائيل أكثر من أي وساطة أخرى.

الهجوم الإسرائيلي على الدوحة لم يحقق الهدف المعلن بتصفية قادة حماس، لكنه حقق هدفاً آخر لا يقل أهمية: دفع الحركة بعيداً عن الدوحة وإعادة وضعها تحت أعين القاهرة. وبينما يُنظر إلى مصر في المنطقة باعتبارها الصديق الأوفى لإسرائيل، فإن تحول المفاوضات إلى القاهرة يعكس موازين قوى جديدة قد تُطيل من عمر التحالفات الإقليمية القائمة، وتُبقي حماس بين مطرقة إسرائيل وسندان القبضة الأمنية المصرية.