في الأيام الأخيرة، اجتاحت منصات التواصل الاجتماعي في مصر موجة غير مسبوقة من الصور المثيرة للجدل، زُعم أنها توثق تصنيع صواريخ هجومية وطائرات مسيرة محليا
.
هذه الصور، التي انتشرت بسرعة قياسية، قُدمت لدى البعض على أنها أول ظهور علني لراجمة الصواريخ المصرية "رعد 200"، فيما تعامل معها آخرون باعتبارها "رسالة ردع مرعبة" لإسرائيل، الأمر الذي حوّلها خلال ساعات قليلة إلى مادة نقاش جماهيري أثارت حماسة ملايين المتابعين على المنصات.
لكن سرعان ما تبيّن، وفق تحقيقات تقنية وإعلامية، أن هذه الصور ليست توثيقاً حقيقياً، بل نتاج برامج الذكاء الاصطناعي التوليدي، ما جعلها في خانة المفبركة رقمياً وليست دليلاً على نشاط عسكري فعلي.
الشرارة الأولى: تغريدات وتحريض عاطفي
بدأت القصة يوم 8 سبتمبر الجاري، عندما نشرت حسابات موثقة على منصة "إكس" (تويتر سابقاً) مجموعة من الصور التي بدت وكأنها مأخوذة من داخل ورش تصنيع عسكرية.
ترافق ذلك مع تعليقات حماسية حملت عبارات مثل: "صورة خطرة ولأول مرة.. رسالة مصرية مرعبة لمن يفكر في الاقتراب من الحدود".
وانتشرت الصور على نطاق أوسع بعدما تبنّى ناشطون رواية أنها تمثل "إشارة قوة غير مسبوقة"، وليست مجرد لقطات تقنية.
وبالتوازي، صعّد مغردون الخطاب بالتأكيد على أن "الرسالة واضحة: لا مساس بأمن مصر القومي".
من الفضاء الافتراضي إلى السياسة
لم يقتصر الأمر على التداول الشعبي، بل أخذ منحى أكثر رسمية بعدما أعاد عضو مجلس النواب ومؤسس حركة تمرد، محمود بدر، الشهير بـ(بانجو)، نشر إحدى الصور عبر صفحته على "فيسبوك"، مؤكداً أنها تعود لراجمة "رعد 200" المصرية.
هذه الخطوة منحت الصور زخماً سياسياً، وعززت من صدقيتها لدى شريحة من الرأي العام، رغم غياب أي تأكيد أو نفي رسمي من المؤسسات العسكرية.
تتبّع المصدر وكشف الخيوط
فريق موثق تحقق" تتبع أصل الصور ليتضح أنها نُشرت لأول مرة عبر حساب غير رسمي على "تيك توك" يحمل اسم "وزارة الداخلية"، وهو حساب حديث الإنشاء يختص في نشر مقاطع وصور مولدة بالذكاء الاصطناعي، غالباً ما تكون مصحوبة بعناوين مثيرة للجدل، ما يثير علامات استفهام حول مصداقيته.
التحليل البصري أظهر تناقضات جوهرية:
- أبعاد الصاروخ وطوله لا تتوافق مع مواصفات "رعد 200" المعروفة.
- غياب الشعارات والعلامات التصنيعية المعتادة على المعدات العسكرية المصرية.
- وجود تشوهات رقمية واضحة على سطح الصاروخ والجدران الخلفية.
- ظهور علامة مميزة للذكاء الاصطناعي "Gemini" أسفل الصورة.
- غياب البيانات الوصفية (Metadata)، وهو مؤشر قوي على أن الملف مولد اصطناعياً.
وبذلك، يتأكد أن الصور مفبركة ومصنوعة بالكامل بالذكاء الاصطناعي، وليست لقطات واقعية من مصانع عسكرية مصرية.
صور الطائرات المسيرة.. المشهد يتكرر
لم تقتصر الموجة على الصواريخ. سرعان ما غزت المنصات صور أخرى نُسبت إلى "إنتاج طائرات مسيرة مصرية"، لكن التحليل أظهر مؤشرات متكررة: ظلال مشوهة، خلل في تناسق الأجنحة، أبعاد غير منطقية، وورش تصنيع غير متسقة في مساحتها مع حجم المعدات المعروضة.
إحدى الصور أظهرت ورشة صغيرة مكتظة بثماني طائرات حربية دفعة واحدة، في وضع يستحيل عملياً استيعابه.
الأخطاء في الإضاءة وانعكاسات المعادن عززت الشكوك في أن المشاهد كلها مجرد منتجات ذكاء اصطناعي وليست لقطات واقعية.