أثار الإفراج عن الناشط السياسي علاء عبد الفتاح بقرار رئاسي استجابةً لالتماس من المجلس القومي لحقوق الإنسان، موجة واسعة من ردود الفعل في الأوساط الحقوقية والإعلامية المصرية. الخطوة اعتبرها كثيرون بادرة إيجابية قد تفتح الباب أمام حلحلة ملف المعتقلين السياسيين.
التقرير القضائي
وكانت مصادر قضائية وأمنية مطلعة أشارت إلى أن النائب العام المستشار محمد شوقي عياد انتهى من إعداد التقرير القضائي الخاص بحالة الناشط السياسي علاء عبد الفتاح وعدد آخر من المحكوم عليهم في قضايا جنائية وسياسية، في إطار دراسة الالتماس المقدم من المجلس القومي لحقوق الإنسان إلى رئاسة الجمهورية للمطالبة بصدور عفو رئاسي عنهم.
ووفقًا للمصادر، فإن التقرير الذي أعده النائب العام تم رفعه رسميًا إلى الرئاسة، متضمنًا تفاصيل الوضع القانوني للمتهمين، ومدى سلامة الأحكام الصادرة بحقهم، وما إذا كانت طبيعة هذه الأحكام تسمح بصدور عفو رئاسي استثنائي. وتناول التقرير الخلفية القضائية لكل اسم مشمول في الالتماس، إلى جانب توصيات بشأن إمكانية شمولهم بالعفو من عدمه، استنادًا إلى اعتبارات قانونية ودستورية.
وفي السياق ذاته، أنهت وزارة الداخلية بحكومة الانقلاب بالتعاون مع مصلحة السجون إعداد تقريرها الأمني والصحي، والذي رفع بدوره إلى مؤسسة الرئاسة، متضمنًا تقييمًا مفصلًا للحالة الصحية والنفسية لعلاء عبد الفتاح وآخرين، إضافة إلى رصد أوضاعهم المعيشية داخل السجون ومدى التزامهم بلوائح وقوانين المؤسسة العقابية. كما تضمن التقرير الأمني تقديرًا لمدى تأثير أي قرار بالإفراج عنهم على الأوضاع الأمنية في الداخل.
وتأتي التطورات بعد أن أصدر قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي توجيهاته المباشرة مطلع الأسبوع الجاري للجهات المعنية، بضرورة دراسة الالتماس المقدم من المجلس القومي لحقوق الإنسان. وضمت قائمة الأسماء التي شملها الالتماس سبعة أسماء، وهم: علاء عبد الفتاح، وسعيد مجلي الضو عليوة، وكرم عبد السميع إسماعيل السعدني، وولاء جمال سعد محمد، ومحمد عوض عبده محمد، ومحمد عبد الخالق عبد العزيز عبد اللطيف، ومنصور عبد الجابر علي عبد الرازق.
أسر تنتظر منذ سنوات
رأت مئات الأسر في هذا التطور فرصة جديدة لإنهاء سنوات من المعاناة، غير أن الاستثناءات الكبيرة من قوائم العفو خلّفت خيبة أمل واسعة. رسالة روفي حمدي، زوجة الناشط المعتقل محمد عادل، كانت مثالًا مؤثرًا على حجم المعاناة، إذ أشارت إلى مرور أكثر من 12 عامًا على سجنه وما ترتب على ذلك من حرمانها من الإنجاب ومعاناة والديه المسنين.
أيمن موسى.. حياة توقفت عند التاسعة عشرة
عائلة الشاب أيمن موسى، المعتقل منذ أحداث فض رابعة والنهضة عام 2013، ناشدت إدراج اسمه في قوائم العفو المقبلة بعد أن قضى 12 عامًا خلف القضبان من أصل حكم بـ15 عامًا. الأسرة وصفت حالته بـ"الرجاء الإنساني"، مشيرة إلى وفاة والده من شدة الحزن وآملة أن تُمنح لابنها فرصة جديدة للحياة.
معاناة الصحفيين
نقيب الصحافيين خالد البلشي جدّد مطالبته بالإفراج عن الصحفيين محمد أكسجين وحسين كريم، مؤكدًا أن استمرار احتجازهم يفتقد للأساس القانوني. كما سلّم قوائم بأسماء أكثر من 19 صحفيًا رهن الحبس الاحتياطي، بينهم 14 تجاوزوا المدة القصوى المقررة قانونًا، داعيًا السلطات إلى احترام الدستور وإعمال العدالة.
هدى عبد المنعم ومحمد البلتاجي
قصة المحامية الحقوقية هدى عبد المنعم، التي تعاني أوضاعًا صحية متدهورة بعد سبع سنوات في السجن، عكست الوجه المأساوي للقضية. زوجها المحامي خالد بدوي أكد تعرضها لأزمتين قلبيتين داخل محبسها من دون تلقي رعاية كافية. في السياق ذاته، عبّرت سناء عبد الجواد، زوجة النائب السابق محمد البلتاجي، عن قلقها من ظروف الاحتجاز في سجن بدر، متسائلة بمرارة إن كان المعتقلون "لا يزالون على قيد الحياة".
رؤية منظمات حقوق الإنسان
يرى خلف بيومي، مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان، أن الإفراج عن المعتقلين بات ضرورة لا تحتمل التأجيل، خاصة بعد مرور أكثر من عقد على اعتقال الآلاف لأسباب سياسية. وأكد أن العفو الرئاسي يظل أحد المسارات الممكنة لإنهاء هذا الملف، مطالبًا بأن يشمل النساء وكبار السن والمرضى والمحبوسين احتياطيًا.
رواية الدولة واستراتيجيتها
حكومة السيسي تدّعي أنها لا تحتجز أي "سجناء رأي"، وتصر على أن القضايا المنظورة جنائية أو أمنية بحتة. وللرد على الانتقادات المتكررة، أطلقت السلطات عام 2021 "الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان"، كما أعادت تفعيل لجنة العفو الرئاسي التي أعلنت عن مئات الإفراجات، وإن كان أغلبها يخص سجناء جنائيين.
الفجوة بين الوعود والواقع
منظمات حقوقية محلية ودولية، مثل "هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية"، ترى أن هذه الخطوات لا تزال محدودة للغاية مقارنة بأعداد المعتقلين الذين يقدّرون بعشرات الآلاف. وتنتقد تلك المنظمات استمرار ظاهرة "تدوير القضايا"، التي تجعل كثيرًا من السجناء يبقون خلف القضبان حتى بعد انقضاء مدد أحكامهم.
خلاصة
ملف المعتقلين السياسيين في مصر يظل من أعقد القضايا وأكثرها حساسية على المستويين المحلي والدولي. وبينما يرى البعض أن الإفراج عن علاء عبد الفتاح يمثل "نافذة أمل"، يعتبر آخرون أنه مجرد خطوة رمزية لن تخفف من معاناة آلاف الأسر. ومع استمرار المناشدات وتفاقم الأوضاع الصحية والإنسانية داخل السجون، يبقى السؤال مطروحًا: هل تتحول هذه البوادر المحدودة إلى مسار حقيقي نحو إنهاء معاناة المعتقلين، أم تظل مجرد استثناءات في مشهد أكثر قسوة؟