للعام الثاني على التوالي، قرر مجلس وزراء مصطفى مدبولي تمديد فترة تسوية أوضاع الأجانب المقيمين في البلاد بصورة غير شرعية بنظام "المستضيف"، لمدة عام إضافي، في خطوة وصفها مراقبون بأنها محاولة لتدارك أزمة متنامية مرتبطة بتزايد أعداد الوافدين غير الشرعيين وتضارب الإحصاءات الرسمية بشأن وجودهم داخل مصر.

القرار جاء قبل أيام قليلة من انتهاء المهلة الحالية المحددة لتوفيق الأوضاع في 18 سبتمبر 2025، وهو ما منح آلاف الأجانب المقيمين بصورة غير قانونية فرصة جديدة لتسوية إقامتهم.
 

أعداد متضاربة.. بين الإحصاء والمفوضية
وتبرز إحدى أبرز إشكاليات هذا الملف في التضارب الكبير بين الأرقام الرسمية والبيانات الدولية.
فبينما يشير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن عدد الأجانب المقيمين في مصر يتجاوز 9 ملايين، تؤكد بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن عدد اللاجئين وملتمسي اللجوء لا يتجاوز 914 ألفاً حتى نهاية مارس 2025.

هذا التباين الضخم يثير تساؤلات عن مدى دقة حصر الأعداد، خصوصاً في ظل دخول الكثيرين عبر الحدود البرية خلال السنوات الأخيرة، هرباً من الحروب في السودان وسوريا وليبيا واليمن.
 

توزيع جغرافي لافت
ووفقاً لبيانات جهاز الإحصاء، فإن نحو 60% من الأجانب يتركزون في العاصمة القاهرة، فيما يتوزع الباقون على أربع محافظات رئيسية: الجيزة والإسكندرية والإسماعيلية ودمياط.
وتوضح الأرقام أن الغالبية ينتمون إلى أربع دول عربية تشهد نزاعات وصراعات ممتدة، وهي السودان وسوريا وليبيا واليمن، بنسب متقاربة بين الذكور والإناث.

هذا التوزيع السكاني يفرض أعباءً إضافية على الخدمات العامة والبنية التحتية في تلك المحافظات، في ظل شكاوى متكررة من تزايد الضغط على الصحة والتعليم والإسكان.
 

خطوات التسوية بنظام "المستضيف"
قرار مجلس وزراء مدبولي الأخير، رقم 3326 لسنة 2023، حدد آليات تسوية أوضاع الأجانب، إذ ألزم المتقدمين بطلبات الإقامة—سواء للسياحة أو لغيرها—بتقديم إيصال رسمي يثبت تحويل رسوم الإقامة أو غرامات التأخير أو تكاليف إصدار بطاقات الإقامة بالدولار أو بما يعادله من عملات حرة إلى الجنيه المصري، عبر البنوك أو شركات الصرافة المعتمدة.
كما ألزم القرار المقيمين بصورة غير قانونية بتوفيق أوضاعهم شرط وجود "مستضيف مصري" مقابل سداد مصروفات إدارية تعادل ألف دولار تودع في حساب مخصص لذلك.
 

أعباء مالية مثيرة للجدل
هذه الشروط أثارت جدلاً واسعاً، خاصة في ما يتعلق بالمصروفات الإدارية بالدولار، إذ يرى حقوقيون أن إلزام الأجانب بالدفع بالعملة الصعبة يمثل عبئاً يفاقم أوضاع الفئات الأكثر هشاشة من اللاجئين، الذين يعتمد كثير منهم على مساعدات محدودة من منظمات دولية.

وفي المقابل، تبرر الحكومة هذه الخطوة بأنها تهدف إلى زيادة حصيلة النقد الأجنبي وتغطية تكاليف الخدمات المقدمة للأجانب.
 

أزمة إنسانية تتفاقم
بالتوازي، تواجه مصر انتقادات من منظمات حقوقية بشأن ما يوصف بـ"تأجيل الحلول الجذرية".
فتمديد المهلة عاماً تلو الآخر لا يحل الأزمة، بل يرحلها فقط، بينما تستمر معاناة الأجانب المقيمين بلا أوراق رسمية، حيث يعيش كثيرون منهم في ظروف صعبة، ويعملون في مهن هامشية بلا أي حقوق أو حماية قانونية.

وتؤكد تقارير المفوضية أن معظم اللاجئين يفتقرون إلى سبل العيش الكريم ويعانون من ضعف فرص الحصول على التعليم والخدمات الصحية.
 

ضغوط داخلية وخارجية
محلياً، يشكو مواطنون من أن التواجد الكثيف للأجانب في بعض المناطق أدى إلى تضخم أسعار الإيجارات وزيادة المنافسة على فرص العمل المتاحة، بينما ترى قطاعات أخرى أن وجودهم يمثل إضافة اقتصادية مهمة في قطاعات البناء والخدمات. خارجياً، تتعرض القاهرة لضغوط متزايدة من شركائها الأوروبيين لضبط ملف الهجرة غير الشرعية، خاصة مع استخدام مصر كممر عبور لمهاجرين يسعون للوصول إلى الضفة الشمالية من المتوسط.
 

مستقبل غامض
في ظل هذه التعقيدات، يظل مستقبل تسوية أوضاع الأجانب في مصر غامضاً، خصوصاً مع استمرار غياب إحصاء دقيق وشفاف لأعدادهم وظروفهم.
وبينما ترى الحكومة أن تمديد مهلة التسوية يمنح المقيمين غير الشرعيين فرصة لتقنين أوضاعهم، يؤكد خبراء أن الحل الحقيقي يكمن في سياسات طويلة الأمد توازن بين الاعتبارات الأمنية والالتزامات الإنسانية.