في تطور جديد على جبهة أزمة سد النهضة، وجهت الخارجية الإثيوبية رسالة رسمية إلى مجلس الأمن الدولي، وصفت فيها تمسك القاهرة بما تسميه "حقوقها التاريخية" في مياه النيل بأنه "عقلية استعمارية" تتجاهل حقوق بقية دول الحوض.
الرسالة جاءت بعد أسابيع قليلة من احتفالات أديس أبابا بافتتاح السد بشكل رسمي وإعلان اكتمال الملء الرابع، في خطوة رأت فيها المعارضة المصرية "تتويجاً لتفريط النظام الحالي في مقدرات البلاد المائية".
خطاب إثيوبي متصاعد
في رسالتها الأخيرة، شددت وزارة الخارجية الإثيوبية على أن "عصر الهيمنة على مياه النيل قد انتهى"، مؤكدة أن جميع دول الحوض "شركاء متساوون في الحق بالاستفادة من النهر".
واعتبرت أن إصرار مصر على التمسك بحصتها القديمة من المياه، التي حددتها اتفاقيات القرن الماضي، "لا يتماشى مع مبادئ العدالة الدولية".
هذه اللغة التصعيدية لم تكن جديدة، لكنها اكتسبت بعداً أكثر استفزازاً بعد أن فرضت إثيوبيا الأمر الواقع ببناء السد وتشغيله وبدء تصدير الكهرباء إلى دول الجوار.
رسائل مصرية متأخرة
القاهرة من جانبها أرسلت رسالة لمجلس الأمن في وقت سابق هذا الشهر، حذرت فيها من "تداعيات السد على الأمن المائي لمئة مليون مصري".
لكنها اعترفت ضمنياً في مضمون الرسالة بأن "الضرر قد وقع"، وأن الأمر أصبح واقعاً لا يمكن التراجع عنه.
هذه الرسالة أعادت إلى الأذهان التحذيرات المتكررة التي أطلقها خبراء وسياسيون معارضون منذ توقيع اتفاق المبادئ في مارس 2015، الذي منح أديس أبابا شرعية دولية لمشروعها مقابل وعود لم تنفذ.
تصريحات السيسي.. "بطلوا هري"
في مقابل التصعيد الإثيوبي، لجأ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى خطاب وصفه مراقبون بالهزلي والمستفز، حيث كرر عبارات مثل: "محدش ياكلكم"، و"بطلوا هري"، و"قول والله العظيم".
تصريحات بدت وكأنها استهزاء بمعاناة الفلاحين الذين يواجهون نقصاً متزايداً في مياه الري، ودفعت نشطاء على مواقع التواصل إلى اتهام السيسي بأنه "يضحك على الشعب" بينما يتهرب من مواجهة الخطر الوجودي الذي يهدد مصر.
الفلاح المصري بين العطش والإهمال
على أرض الواقع، كان الفلاح هو الضحية الأكبر. تقارير محلية تحدثت عن أراضٍ بور في مناطق عدة من الدلتا والصعيد بسبب نقص المياه، مع عجز آلاف الأسر عن زراعة محاصيلها الموسمية.
بينما في المقابل ظهر رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في مشاهد احتفالية وهو يرقص ويغني بمناسبة اكتمال السد، في تناقض صارخ بين فرحة أديس أبابا ووجع القاهرة.
معارضة غاضبة.. واتهامات بالخيانة
المعارضة المصرية لم تفوت الفرصة، حيث اعتبر سياسيون وخبراء أن السيسي "خان القسم" منذ أن جلس على مائدة التفاوض ووقع اتفاق المبادئ دون ضمانات ملزمة.
الكاتب ياسر الزعاترة وصف المشهد بأنه "أحد أفدح كوارث التفريط في تاريخ مصر الحديث"، فيما شدد الباحث نظام المهداوي على أن "كل قطرة عطش يتحملها الفلاح المصري هي نتيجة مباشرة لتنازلات السيسي".
"كفاية هري".. إلى أين؟
وبينما تصعّد إثيوبيا خطابها وتواصل تشغيل السد، يبقى النظام المصري متمسكاً بالرهان على مخاطبات شكلية للأمم المتحدة.
لكن مراقبين يرون أن "استراتيجية الهروب إلى الأمام" لم تعد تنطلي على الشعب، وأن الأزمة تجاوزت مرحلة التحذيرات لتتحول إلى مأساة يومية يعيشها المصريون في حقولهم وبيوتهم.