أطلقت المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان في اليوم العالمي لمنع الانتحار، ناقوس الخطر بشأن تزايد مقلق لحالات الانتحار في مصر، مؤكدة أنّ ما يجري تداوله في وسائل الإعلام لا يعكس الأعداد الحقيقية، في ظل غياب الشفافية الحكومية وضعف الاهتمام الرسمي بالظاهرة التي تتفاقم عامًا بعد عام.
ووفقًا للتقرير الحقوقي الصادر، بلغ عدد حالات الانتحار الموثقة إعلاميًا خلال عام 2024 نحو 216 حالة، غير أنّ المؤسسة قدّرت أنّ العدد الفعلي أكبر من ذلك بعشرة أضعاف على الأقل، استنادًا إلى ما تحتفظ به جهات حكومية كوزارة الصحة والشرطة من سجلات غير معلنة.
مصر في صدارة الانتحار عربيًا
التقرير أعاد التذكير ببيانات سابقة لمنظمة الصحة العالمية عام 2016، التي أظهرت أنّ مصر تصدّرت الدول العربية في معدلات الانتحار بما يقارب 3,800 حالة سنويًا، مشيرًا إلى أنّ المؤشرات الحالية تؤكد استمرار الأزمة وتوسعها. وأكد أنّ الانتحار لم يعد مجرد ظاهرة فردية، بل أزمة عامة ذات انعكاسات اجتماعية واقتصادية خطيرة.
توزيع جغرافي لافت
بحسب تحليل المؤسسة، جاءت محافظة الجيزة في الصدارة بـ 78 حالة (36.11%)، تلتها القاهرة بـ 39 حالة (18.05%)، ثم سوهاج بـ 32 حالة (14.81%)، ما يشير إلى تركز الظاهرة في القاهرة الكبرى ومحافظات الصعيد.
على مستوى الأقاليم، سجلت منطقة القاهرة الكبرى (القاهرة، الجيزة، القليوبية) 121 حالة (56%)، بينما جاءت محافظات الوجه القبلي ثانيًا بـ 68 حالة (31.48%)، تلتها محافظات الوجه البحري بـ 21 حالة فقط (9.72%).
الشباب في قلب الأزمة
أوضح التقرير أنّ الذكور أكثر إقدامًا على الانتحار من الإناث، بنسبة 65.74% مقابل 34.25%. كما تصدّرت الفئة العمرية 21-30 عامًا معدلات الانتحار بـ 64 حالة (29.62%)، تليها الفئة العمرية تحت 18 عامًا بـ 40 حالة (18.51%)، ما يعكس أنّ الشباب والمراهقين هم الأكثر هشاشة أمام الضغوط النفسية والاجتماعية.
دوافع الانتحار ووسائله
تنوعت الأسباب المسجلة بين الاكتئاب والأزمات النفسية، والخلافات الأسرية أو الزوجية، والضائقة المالية، وفشل العلاقات العاطفية أو فسخ الخطوبة، وتعاطي المخدرات، والخوف من الامتحانات، والفشل الدراسي.
أما الوسائل، فقد جاء الشنق في المرتبة الأولى بـ 101 حالة (46.75%)، تلاه القفز من أماكن مرتفعة بـ 43 حالة (19.9%)، ثم تناول المواد السامة أو جرعات دوائية زائدة بـ 45 حالة (20.83%).
مطالب بوضع استراتيجية وطنية
شريف هلالي، المدير التنفيذي للمؤسسة، شدّد على أنّ الأرقام "ناقوس خطر لا يمكن تجاهله"، داعيًا الحكومة إلى صياغة استراتيجية وطنية شاملة لمواجهة الانتحار، على أن ترتكز إلى بيانات حقيقية وتشارك فيها وزارات الصحة والتعليم، النقابات المهنية، المراكز البحثية، والمجالس القومية ومنظمات المجتمع المدني.
كما طالب هلالي بتقييم فعالية الخط الساخن للصحة النفسية الذي أطلقته وزارة الصحة، والتأكد من قدرته على تقديم الدعم الفعلي لمن هم على حافة الانهيار. واعتبر أنّ معالجة الظاهرة لا يمكن أن تتم بمعزل عن التصدي لجذورها، مثل الأزمات الاقتصادية، تزايد نسب الفقر، وانسداد الأفق أمام الشباب.
وبينما تحاول بعض الجهات التقليل من خطورة الظاهرة، يؤكد التقرير أنّ الانتحار في مصر لم يعد قضية فردية بل مؤشرًا خطيرًا على اختلالات اجتماعية عميقة، تستدعي تحركًا عاجلًا قبل أن تتحول إلى كارثة وطنية صامتة.