منذ أسابيع، تتصاعد في إسرائيل تصريحات ومواقف خطيرة يقودها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، تستهدف فرض سيناريو تهجير أهالي غزة إلى شبه جزيرة سيناء، بما يعني عملياً تفريغ القطاع من سكانه وتحويل القضية الفلسطينية إلى أزمة مصرية داخلية.
ومع تصاعد العدوان على غزة، نشرت وسائل إعلام عبرية تقارير تؤكد أن “اندلاع حرب مع مصر بات مسألة وقت”، في إشارة إلى أن الضغوط المتواصلة من تل أبيب قد تنفجر في مواجهة عسكرية إذا أصرت القاهرة على رفضها القاطع لأي تهجير.
هذه التطورات تنذر بمرحلة غير مسبوقة من التوتر بين القاهرة وتل أبيب، بعد عقود من اتفاقيات السلام الباردة.
نتنياهو ومخطط التهجير: من غزة إلى سيناء
منذ الأيام الأولى للحرب الأخيرة على غزة، ظهر اتجاه واضح في تصريحات قادة الاحتلال، وعلى رأسهم نتنياهو، بالدفع نحو سيناريو التهجير.
فبحسب تسريبات متعددة، تضغط الحكومة الإسرائيلية على المجتمع الدولي لإقناع القاهرة بفتح سيناء أمام مئات الآلاف من النازحين.
ويأتي هذا الطرح متسقاً مع عقيدة اليمين الإسرائيلي التي ترى في غزة عبئاً ديموغرافياً يجب التخلص منه، وتحويله إلى مشكلة تُلقى على عاتق الجوار المصري.
لكن القاهرة، الرسمية والشعبية، أعلنت مراراً أن سيناء ليست أرضاً بديلة، وأن أي محاولة لفرض التهجير ستُعتبر إعلان حرب على السيادة المصرية.
الإعلام العبري: الحرب مسألة وقت
التحذيرات لم تأت فقط من محللين عرب، بل من الصحافة العبرية نفسها.
فقد تحدثت تقارير في صحف إسرائيلية كـ"يديعوت أحرونوت" و"معاريف" عن أن التوتر مع القاهرة بلغ ذروته، وأن رفض مصر الاستجابة لمطالب التهجير قد يدفع الجيش الإسرائيلي لتوسيع عملياته قرب الحدود الشرقية لسيناء، بما يفتح الباب لمواجهة مباشرة.
بعض المعلقين الإسرائيليين وصفوا الوضع بأنه "ساعة صفر" مؤجلة، معتبرين أن تل أبيب لن تتراجع عن مشروعها الاستراتيجي لإعادة رسم خريطة غزة ولو بالقوة.
هذه النبرة تكشف أن إسرائيل لا تكتفي بإبادة غزة من الداخل، بل تسعى لتصدير الأزمة إلى مصر، رغم إدراكها أن ذلك قد يفجر المنطقة بأكملها.
مصر بين الضغوط الدولية وغضب الشارع
في المقابل، يجد النظام المصري نفسه أمام معادلة معقدة. فمن جهة، يواجه ضغوطاً هائلة من الولايات المتحدة وأوروبا للتعاون في ملف النازحين الفلسطينيين، بحجة "الاستجابة للاعتبارات الإنسانية".
ومن جهة أخرى، يعلم أن أي خطوة نحو التهجير ستشعل الشارع المصري غضباً، خاصة وأن الوجدان الشعبي يعتبر القضية الفلسطينية خطاً أحمر، ويدرك أن التهجير لن يكون سوى مقدمة لابتلاع غزة وتهديد الأمن القومي المصري.
وفي هذا السياق، تعالت أصوات معارضة مصرية بارزة، مثل ياسر الزعاترة ونظام المهداوي، للتحذير من خطورة الانزلاق في هذا السيناريو، معتبرين أن نتنياهو يسعى لتصدير أزمته الداخلية على حساب مصر.
خبراء يحذرون من كارثة إقليمية
يرى محللون عرب أن أي محاولة لفرض التهجير بالقوة ستؤدي إلى انهيار كامل لاتفاقية "كامب ديفيد"، وربما تعيد مصر إلى مربع المواجهة العسكرية المباشرة مع إسرائيل.
الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية، شدد في تصريحات سابقة على أن "قبول التهجير سيكون خيانة كبرى، ورفضه قد يجر المنطقة إلى حرب، لكن هذه الحرب قد تكون الخيار الوحيد لحماية الأمن القومي المصري والفلسطيني".
فيما اعتبر الكاتب الفلسطيني فايز أبو شمالة أن تل أبيب "تلعب بالنار حين تراهن على صمت القاهرة، لأن الشعب المصري لن يقبل أن تتحول سيناء إلى مقبرة للقضية الفلسطينية".
ساعة الحقيقة تقترب
التصريحات الإسرائيلية المتصاعدة، وتقارير الإعلام العبري التي تتحدث بوضوح عن "حرب وشيكة مع مصر"، ليست مجرد دعاية انتخابية لنتنياهو، بل مؤشر على خطة استراتيجية طويلة الأمد.
ومع رفض القاهرة الرسمي لأي تهجير، تبدو المواجهة محتملة أكثر من أي وقت مضى.
والسؤال المطروح اليوم: هل تتحول سيناء إلى خط الدفاع الأخير عن غزة، وبالتالي إلى ساحة مواجهة كبرى بين مصر وإسرائيل؟ أم أن النظام المصري سيواصل التعويل على الضغوط الدبلوماسية ووساطات مجلس الأمن، رغم أن تل أبيب لم تعد تقيم وزناً لأي قوانين دولية؟
ما يبدو مؤكداً أن التهجير إلى سيناء، إذا فُرض بالقوة، سيغير وجه المنطقة بالكامل، ويدفع مصر إلى قلب معركة لم تخترها، لكنها قد تجد نفسها مضطرة لخوضها دفاعاً عن كرامتها وسيادتها وحق الفلسطينيين في البقاء على أرضهم.