بينما كانت أديس أبابا تحتفل أمس بأجواء صاخبة تخللها الغناء والرقص على وقع اكتمال مراحل تشغيل سد النهضة، كان المشهد في القاهرة غارقاً في الخزي والارتباك.
رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد تباهى أمام العالم بـ"الإنجاز التاريخي"، فيما لم يجد نظام عبد الفتاح السيسي إلا اللجوء إلى مجلس الأمن، على الرغم من توقيعه بنفسه على اتفاقية 2015 التي منعت مصر والسودان من تدويل القضية.

هكذا، بدا التناقض فاضحاً بين زعيم يرقص منتشياً بانتصاره، ورئيس يتوسل بعد أن فرّط في أوراق قوته.
 

آبي أحمد يرقص على أنغام "النصر المائي"
في أديس أبابا، ظهر رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد محتفلاً مع أنصاره، يغني ويرقص على أنغام موسيقى شعبية ابتهاجاً بما وصفه بـ"الإنجاز التاريخي لسد النهضة".

#سد_النهضة.. هل هو إنجاز إثيوبي أم أزمة لـ #مصر و #السودان؟

- بعد افتتاح السد اليوم الثلاثاء، قال رئيس وزراء #إثيوبيا آبي أحمد أنه يمثل نهاية قصة الاحتياج ويتيح الازدهار في أقصر وقت ممكن.. لكنه في الوقت نفسه أزمة من وجهة نظر #مصر و #السودان.. التفاصيل في الفيديو#اقتصاد_الشرق pic.twitter.com/9QN78TW9mB

— اقتصاد الشرق – مصر (@AsharqbEGY) September 9, 2025

الاحتفالات تخللتها عروض فنية وأناشيد قومية، في رسالة واضحة للعالم بأن إثيوبيا فرضت كلمتها على مجرى النيل، غير آبهة باعتراضات مصر أو السودان.

المشهد عكس نشوة الانتصار لدى القيادة الإثيوبية، مقابل صمت وعجز رسمي في القاهرة، حيث يواجه المصريون عطش الحقول وتراجع حصص المياه، في واحدة من أكثر المقارنات إذلالاً لمصر عبر تاريخها الحديث.
 

#ابي_احمد يستفز #السيسى .. #اثيوبيا تهزم #مصر في معركة #النيل !#سد_النهضة #نهر_النيل #إثيوبيا_تنتصر #إثيوبيا_أم_الدنيا pic.twitter.com/xSpdnoxQj2

— قناة الشرق (@ElsharqTV) September 9, 2025

 

🚨🇪🇹 #Breaking_news Ethiopia will soon begin construction of a nuclear enrichment plant for peaceful purposes, which will be comparable to the Renaissance PM @AbiyAhmedAli #GERD#Ethiopia 🇪🇹 pic.twitter.com/i3NkyembGQ

— Abdi 🇪🇹 (@Abdrezak1584333) September 9, 2025

 

خبراء: السيسي وضع مصر في "قيد أبدي"
المعارض السياسي ياسر الزعاترة علّق على الاحتفالات قائلاً: "ما يعيشه المصريون من عطش اليوم هو نتاج مباشر لتوقيع السيسي على اتفاق 2015، الذي أعطى إثيوبيا شرعية بناء السد وحرّم على مصر اللجوء لأي طرف خارجي". وأضاف أن السيسي "سلّم نيل مصر على طبق من ذهب، ثم عاد الآن يستجدي تدخلاً دولياً بلا قيمة".

كما كتب الاقتصادي مراد علي " أصبحت مصر رهينة للقرار الإثيوبي ( ومن خلفه إسرائيل).. بالإضافة إلى استخدام سد النهضة كأداة ضغط على أي حاكم نزيه يحاول الاستقلال عن الولايات المتحدة وعن إسرائيل، فالخطورة تأتي كذلك في مواسم الجفاف التي قد تؤدي لتصحر ملايين الأفدنة في مصر.. ربنا يستر!".
 

أصبحت مصر رهينة للقرار الإثيوبي ( ومن خلفه إسرائيل)..
بالإضافة إلى استخدام سد النهضة كأداة ضغط على أي حاكم نزيه يحاول الاستقلال عن الولايات المتحدة وعن إسرائيل، فالخطورة تأتي كذلك في مواسم الجفاف التي قد تؤدي لتصحر ملايين الأفدنة في مصر..
ربنا يستر!
pic.twitter.com/OAn2tUZTbN

— Mourad Aly د. مراد علي (@mouradaly) September 9, 2025

 

عطش الفلاحين.. الوجه الحقيقي للأزمة
الخبير الاقتصادي ممدوح الولي أكد أن "الانعكاسات الكارثية لسد النهضة بدأت تُترجم فعلاً في معاناة الفلاح المصري"، مشيراً إلى أن مساحات زراعية واسعة تعاني نقصاً في مياه الري، وهو ما يهدد الأمن الغذائي ويضاعف أزمة القمح والخضروات.
وقال الولي إن "احتفالات آبي أحمد بالرقص والغناء، تقابلها دموع الفلاحين الذين لا يجدون ماء لزراعتهم"، محملاً السيسي المسؤولية الكاملة عن هذا الوضع المخزي.
 

تناقض صارخ: اللجوء لمجلس الأمن بعد منع التدويل
الكاتب والإعلامي نظام المهداوي سخر من خطوة السيسي الأخيرة قائلاً: "بعد أن منع نفسه بيده من اللجوء لمجلس الأمن عبر اتفاقية 2015، يعود اليوم ليطلب من المجلس التدخل.
إنها قمة العبث السياسي". وأضاف أن ما جرى يعكس "سذاجة إدارة الملف منذ البداية، حيث كانت إثيوبيا تبني وتخطط وتحتفل، بينما كانت القاهرة تكتفي بالتصريحات والمجاملات حتى وجدت نفسها بلا ورقة ضغط واحدة".
 

مشهد مهين أمام العالم
أما المحلل السياسي محمد جاد فأكد أن "المشهد الأخير من احتفالات أديس أبابا لم يكن مجرد مناسبة داخلية، بل كان رسالة سياسية موجهة للعالم: إثيوبيا فرضت إرادتها، ومصر تراجعت".
وأوضح أن "السيسي الذي صدّع المصريين بشعارات الحفاظ على النيل، يقف اليوم عاجزاً بينما يظهر آبي أحمد في مشهد المنتصر، يرقص ويغني على أنغام هزيمة مصرية صريحة".
 

ثمن التفريط يدفعه الشعب
تثبت احتفالات سد النهضة أن كل التحذيرات السابقة كانت صحيحة: النظام المصري فرّط في حقوق بلاده التاريخية مقابل اتفاقية باطلة، وها هو اليوم يواجه الهزيمة علناً.
بينما يرقص آبي أحمد منتشياً بـ"نصره"، يحاصر العطش الفلاح المصري ويهدد ملايين الأفدنة.

والدرس واضح: من يوقّع على التنازلات، سيجد نفسه يوماً يستجدي التدخل الدولي، بلا جدوى، فيما يشرب الخصوم نخب انتصارهم على ضفاف النيل الأزرق..