ألقى قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، يوم الاثنين الماضي، كلمة أمام القمة الاستثنائية لرؤساء الدول والحكومات الأعضاء في تجمع "البريكس"، شدّد على رفض مصر المطلق لأي سيناريو يستهدف تهجير الفلسطينيين من أرضهم، محذرًا من خطورة ما وصفه بـ"المخططات الإسرائيلية الممنهجة" لدفع سكان قطاع غزة إلى النزوح القسري عبر توسيع العدوان العسكري وتكثيف القصف والتجويع.

السيسي قال إن إسرائيل "مارست على مدى العامين الماضيين أبشع صور القتل والترويع، مستخدمة سلاح التجويع لإخضاع المدنيين في غزة"، مؤكدًا إدانة القاهرة لسياسات الاحتلال التوسعية في الضفة الغربية، بما في ذلك الاستيطان وفرض السيادة بالقوة.

وأضاف أن "المشهد الدولي غارق في ازدواجية فاضحة للمعايير وانتهاك سافر للقانون الدولي، وسط إفلات كامل من العقاب، مما يقوض السلم والأمن الدوليين ويدفع العالم إلى أجواء الفوضى".

وأشار السيسي إلى عجز مجلس الأمن الدولي عن أداء دوره الأساسي في وقف الحروب وتسوية النزاعات، محمِّلًا آلية "حق النقض – الفيتو" مسؤولية شلل المجلس وانعزاله عن الواقع الميداني، وداعيًا إلى إصلاح شامل يضمن عدالة أكبر في إدارة النظام الدولي.

لكن في الوقت ذاته، وبينما كان السيسي يتحدث في المحافل الدولية عن رفض التهجير ومناصرته للقضية الفلسطينية، كانت التطورات الميدانية في غزة تكشف تسارعًا واضحًا في المخطط الإسرائيلي.

فقد أصدر جيش الاحتلال أوامر بإخلاء كامل مدينة غزة من سكانها، في خطوة اعتبرها مراقبون تحديًا مباشرًا للموقف المصري، واستكمالًا لسياسة التهجير التي حذّر منها السيسي نفسه.

ويشير محللون إلى أن خطاب السيسي، يبدو في جوهره متعاطفًا مع القضية الفلسطينية، غير أن الواقع الداخلي يعكس تناقضًا صارخًا.

ففي حين يُظهر النظام دعمًا إعلاميًا لغزة، تُواجَه أي محاولات تضامن شعبي حقيقي داخل مصر بالقمع والاعتقالات، حيث يتم منع التظاهرات المستقلة، مقابل السماح بمسيرات منظمة تضم مجموعات من المواطنين الذين يُدفع لهم مقابل رفع الشعارات المؤيدة لفلسطين، لتوظيفها كصورة دعائية تُظهر الدولة في موقع الداعم بينما يتم تجنب أي حراك قد يتحول إلى مظاهرات ضد النظام نفسه.

ويرى مراقبون أن هذا التناقض بين الخطاب الخارجي والممارسات الداخلية يعكس مقاربة براغماتية من قبل النظام، تسعى إلى تحقيق مكاسب سياسية ودبلوماسية عبر الظهور بمظهر المدافع عن الحقوق الفلسطينية، في وقت تبقى فيه ساحات الداخل محكومة بالسيطرة الأمنية المشددة.

وبينما يستمر الاحتلال الإسرائيلي في فرض وقائع جديدة على الأرض، تتجه الأنظار إلى الدور المصري الذي يوازن بين خطاب علني ضد التهجير وممارسات داخلية تُضعف من مصداقيته، وهو ما يثير تساؤلات حول حقيقة الموقف الرسمي وحدود قدرة القاهرة على مواجهة التسارع الإسرائيلي في تنفيذ مخططاته بالمنطقة.