أعاد الهجوم الإسرائيلي على العاصمة القطرية الدوحة، الذي استهدف قيادات من حركة حماس أثناء دراسة مقترح هدنة لوقف إطلاق النار في غزة، خلط الأوراق داخل البيت الخليجي.

فبينما اعتادت بعض الدول، وعلى رأسها السعودية والإمارات، أن توازن بين التطبيع مع تل أبيب وبين خطابها التقليدي حول دعم القضية الفلسطينية، فإن الضربة الإسرائيلية على دولة خليجية وضعت هذه الد ول أمام مأزق حقيقي، وأطلقت موجة انتقادات شعبية وإعلامية داخلية وخارجية حول جدوى التطبيع وحدوده.
 

السعودية تُناور

سارعت السعودية إلى إدانة الهجوم، ووصْفه بأنه "عدوان وحشي" و"انتهاك صارخ لسيادة قطر"، مؤكدة أن استهداف دولة خليجية يُقوِّض الاستقرار ويهدد الأمن الإقليمي.

غير أن هذا الموقف، رغم قوته اللفظية، لم يسلم من النقد. فقد تساءل معارضون ونشطاء: كيف يمكن التوفيق بين وصف إسرائيل بالعدو المعتدي، وبين الاستمرار في التقدم نحو التطبيع السياسي والاقتصادي معها؟ هذا التناقض جعل السعودية عرضة لاتهامات بالمناورة السياسية على حساب الثوابت القومية.

ومن جهته، قال البرلماني الكويتي السابق ناصر الدويلة: "رسالة إلى حكومات الكويت والسعودية وقطر وتركيا وباكستان: كلكم مستهدفون في مشروع إسرائيل الكبرى، فوحدوا صفوفكم واستعدوا للقادم القريب، فكل مخططات الصهاينة منشورة، وليس لكم عذر أمام الله والتاريخ. إن أي جندي أمريكي أو غربي في أراضينا هو نقص على أمننا الوطني، وما حدث في قطر خير دليل على أن أمريكا متضامنة مع إسرائيل ولا يهمها أبدًا صداقتكم. فالله الله بشعوبكم وأوطانكم، فالتاريخ لم ينسَ تفريط الخليفة العباسي الذي سلّم بغداد للتتار. والله خير حافظًا، وهو أرحم الراحمين".

 

وأشار الصحفي تركي الشلهوب: "إذا أرادت إسرائيل قصف الديوان الأميري في قطر أو الديوان الملكي في السعودية أو ديوان الرئاسة في الإمارات، أو في أي دولة عربية، من سيردعها؟ إذا لم يتوحد حكام العرب اليوم، فستأكلهم إسرائيل فرادى غدًا."

وفي تغريدة أخرى كتب:

"لماذا تُسقِط الدول العربية، وعلى رأسها السعودية، المسيّرات والصواريخ المتجهة إلى الكيان، لكنها تسمح للطائرات الإسرائيلية بالمرور في أجوائها لتنفيذ مجازرها؟"

وقال الإعلامي محمد ناصر:

"في الهجوم على قطر - أنا مش هاصدق إعلام العدو إن قطر كانت عارفة بموعد ومعاد الهجوم.. لكن، هل كانت السعودية والإمارات كمان مش عارفين؟ ماذا تفعل أجهزة الاستخبارات في دول الخليج؟ ماذا تفعل الأنظمة الدفاعية؟ هل يمكن بعد الآن الوثوق بأمريكا والقواعد الأمريكية في الخليج؟"
 

 

الإمارات: بيان قوي دون موقف جاد
الإمارات، التي تباهت طويلًا باتفاقات أبراهام وتحولها إلى جسر تجاري ودبلوماسي مع إسرائيل، وجدت نفسها أمام اختبار قاسٍ. بيانها الرسمي أدان بقوة الهجوم، ووصفه بأنه "خرق للقانون الدولي". أما وفدها الذي ذهب لمواساة الأمير تميم، فكان أولى له أن ينتقد إسرائيل أو يعلن موقفًا واضحًا من العلاقة معها.

لهذا، وُجِّهت انتقادات مباشرة إلى أبوظبي من قبل مراقبين عرب وغربيين، اعتبروا أن التطبيع وفّر لإسرائيل جرأة إضافية على تحدي السيادة العربية. بالنسبة للعديد من الأصوات المعارضة، بدا الموقف الإماراتي محاولة لامتصاص الغضب الشعبي أكثر من كونه مراجعة حقيقية لمسار التطبيع.

وكتب المحلل السياسي اليمني أنيس منصور: "لو أن الإمارات أعلنت رسميًا طرد السفير الإسرائيلي، وإغلاق البيت الإبراهيمي، وسحب سفيرها من إسرائيل، ووقف كل ما تم تطبيعه مع الكيان الصهيوني، لكان أفضل وأحسن وأجمل من هذه الزيارة التي ظاهرها المواساة وباطنها المكر فوق المكر. الأمر فاضح وواضح يا شيطان العرب".


 

أما الصحفي المصري عبدالواحد عاشور، فقال: "الشيخ محمد بن زايد، رئيس الإمارات، يصل الدوحة كأول مسؤول عربي ودولي يزور قطر بعد الضربة. خطوة مقدّرة، ويمكن للشيخ محمد بن زايد أن يسطر اسمه بالذهب في سجل التاريخ فورًا إذا اتخذ قرارًا بقطع العلاقات مع تل أبيب، حيث إن السلام الذي ابتغاه من وراء ذلك لم يتحقق، بل وصلت النيران إلى أطراف ثوبه."
 

 

موجة انتقادات شعبية وإعلامية
الهجوم على الدوحة فتح الباب أمام سيل من الانتقادات على مواقع التواصل ومنابر إعلامية عربية، حيث اعتبر ناشطون أن التطبيع مع إسرائيل أعطى غطاءً ضمنيًا لتل أبيب لممارسة سياساتها العدوانية بلا رادع.

وطرحت تساؤلات ملحة:

  • هل كانت إسرائيل ستجرؤ على قصف عاصمة خليجية لو لم تجد في التطبيع مظلة شرعية؟
  • أين يذهب خطاب "الأمن المشترك" الذي تبنّته بعض الأنظمة، إذا كانت تل أبيب لا تتردد في خرق سيادة دولة عربية؟

هذه الأسئلة وضعت السعودية والإمارات في مرمى الانتقادات، بوصفهما النموذج الأبرز لمسار التطبيع الخليجي.
 

البعد السياسي والدبلوماسي
الهجوم الإسرائيلي لم يكن مجرد عملية عسكرية، بل جاء في توقيت بالغ الحساسية، بينما كانت وساطات متعددة—ومنها الوساطة القطرية—تحاول الدفع نحو وقف إطلاق النار في غزة.

ضرب الدوحة بدا كأنه استهداف مباشر للدور القطري الوسيط، ما يجعل الموقف الخليجي أكثر تعقيدًا: فمن جهة هناك تطبيع قائم مع إسرائيل، ومن جهة أخرى هناك اعتداء مباشر على دولة تلعب دورًا إقليميًا مهمًا في المفاوضات.

هذا التناقض يعزز الشعور بأن التطبيع لم يوفر أمانًا إضافيًا للخليج، بل ربما شجع إسرائيل على التصرف كقوة وصية بلا ضوابط.
 

قراءة في رسائل الهجوم

  • رسالة لإفشال الوساطات: استهداف قيادات حماس في الدوحة يعرقل دور قطر كمحاور رئيسي في ملف غزة.
  • اختبار للمطبعين: إسرائيل تعلم أن السعودية والإمارات لن تذهبا بعيدًا في التصعيد ضدها، لكنها أرادت معرفة مدى استعدادهما للدفاع عن حليف خليجي.
  • إعادة طرح سؤال السيادة: هل جعل التطبيع إسرائيل شريكًا استراتيجيًا، أم خصمًا يهدد حتى عواصم المنطقة؟

 

خلاصة
الهجوم الإسرائيلي على الدوحة لم يضرب فقط العاصمة القطرية، بل أصاب في الصميم مصداقية مسار التطبيع الخليجي.

السعودية والإمارات، رغم إدانتهما الرسمية، باتتا في مرمى الانتقادات الشعبية، التي ترى في التطبيع تنازلًا خطيرًا يفتح الباب أمام المزيد من الانتهاكات.

وفي ضوء هذه التطورات، يظل السؤال الأهم:
هل ستراجع دول الخليج المُطبِّعة مع إسرائيل حساباتها، أم ستواصل مسارها متجاهلة ما يراه الشارع العربي طعنة في خاصرة الأمن والسيادة القومية؟