أثار الهجوم الذي استهدف وفد حركة المقاومة الإسلامية حماس في العاصمة القطرية الدوحة، تنديدًا واسعًا، حيث وُصف بأنه محاولة "اغتيال فاشلة" لقادة الوفد المفاوض، واعتُبر امتدادًا لنهج إسرائيلي قائم على التصعيد والتمدد في المنطقة.
واتهمت أطراف فلسطينية الإدارة الأمريكية بالمسؤولية غير المباشرة عن العملية، معتبرة أن الدعم السياسي والعسكري الممنوح لإسرائيل شكّل غطاءً لتنفيذ الهجوم. وأشارت إلى تصريحات سابقة للرئيس الأمريكي تضمنت تحذيرات لحماس بضرورة الاستجابة لشروط الاحتلال، وهو ما عُدّ ضوءًا أخضر لشن العملية.
وفي الداخل الإسرائيلي، نشر رئيس الكنيست مقطع فيديو يوثّق القصف على الدوحة، وعلق بالقول: "هذه رسالة إلى الشرق الأوسط بأسره"، في إشارة إلى ما وصفه مراقبون بمحاولة لتوسيع دائرة الردع الإسرائيلية.
ويأتي هذا التطور بعد سلسلة من المواجهات التي شهدتها المنطقة خلال العامين الأخيرين، بدءًا من الحرب على غزة، مرورًا بالتصعيد في لبنان وسوريا، ووصولًا إلى عمليات استهدفت مناطق أخرى في اليمن وتونس. ويرى محللون أن استهداف العاصمة القطرية يشكّل تصعيدًا نوعيًا، كونه يمس طاولة المفاوضات والوساطة القطرية في ملف التهدئة.
الوجه الدموي للاحتلال
علّق الكاتب سعيد الحاج على تصريحات رئيس الكنيست الإسرائيلي قائلًا: «الكيان يقولها للجميع علنًا وبكل وقاحة، وبدون مواربة، لكل ذي عقل وقلب وضمير».
أما النجم الرياضي والمحلل محمد أبو تريكة، فقد وصف ما يجري بأنه «مستوى غير مسبوق من العربدة الصهيونية»، مضيفًا: «من يظن أن المعركة في غزة فقط فهو واهم، فالكل مستهدف. يجب على الأمة أن تتكاتف وتواجه عدوها بكل قوة ووسيلة ممكنة، فالعدو يضرب عواصمنا العربية بمباركة ومشاركة أمريكية وعلى الجميع إدراك ذلك جيدًا».
بدوره، شدد مرزوق الغانم، رئيس مجلس الأمة الكويتي السابق، على أن القصف الإسرائيلي الذي استهدف قلب الدوحة يكشف الوجه الحقيقي لما وصفه بـ «الكيان الغاصب»، موضحًا أنه كيان لا يعرف سوى القتل والاغتيال وقصف الآمنين، يقوم على سفك الدماء وتدمير المدن وانتهاك السيادة وزرع الفوضى أينما حلّ.
رسالة احتقار للعرب وجرس إنذار لإعادة الحسابات
بدورها، اعتبرت الكاتبة والصحفية المصرية شيرين عرفة أنّ ما جرى ليس مجرد عدوان، بل يمثل «استخفافًا مزريًا واحتقارًا بالغًا من الصهاينة لكل بلداننا العربية، ولكل ما يربطها بهم من شراكات تجارية أو وساطات أو حتى اتفاقيات تطبيع وسلام».
وأكدت أنّ هذه الحادثة «نقطة فاصلة يجب أن تدفع العرب إلى إعادة تقييم علاقاتهم مع هذا الكيان الإرهابي المارق، الذي لا يعترف بقانون ولا يلتزم بميثاق، ولا يرى لنفسه حدودًا، بل يعلن بلا خجل أن مهمته ابتلاع الأراضي العربية والعيش على دماء شعوبها ونهب ثرواتها».
وأوضحت عرفة أنّ إسرائيل، رغم طابعها الاستعماري، تعاني هشاشة عسكرية كشفتها المقاومة الفلسطينية: «فبضعة آلاف من الشباب المحاصر منذ سنوات، الذين يصنعون سلاحهم بأنفسهم ويعيشون تحت الأرض في أنفاق، استطاعوا أن يمرغوا سمعتها العسكرية في التراب».
وختمت بالقول: «هذا كيان سرطاني يستمد قوته الحقيقية من خضوع الأنظمة العربية، ومن رهانات الحكام على بقائهم عبر رضا الصهاينة ومن ورائهم الأمريكان».
إهانة لكرامة الخليج
وجّه الإعلامي العُماني المختار الهنائي رسالة مباشرة إلى قادة مجلس التعاون عقب الجريمة الأخيرة، قائلاً: «بينما اختارت بعض دولكم التطبيع ومهادنة إسرائيل ومن يقف وراءها، نرى اليوم سيادة قطر تُنتهك بوقاحة.. هذا الاعتداء ليس على المقاومة الفلسطينية ولا على الدوحة وحدها، بل على كرامة الخليج كله».
وتساءل الهنائي: «إن لم يكن الموقف واحدًا وحازمًا الآن فمتى؟».
وفي معرض إجابته عن سؤال: ماذا يمكن أن تفعل دول الخليج؟، أوضح أن الخطوة الأولى تكمن في امتلاك الإرادة الحقيقية لحماية السيادة والشعوب، مشددًا على أن الرهان على التصعيد العسكري غير واقعي، لكن دول الخليج تستطيع كاتحاد أن تستخدم الضغط الاقتصادي والردع الاستراتيجي، وتظهر قوتها ووحدتها في مواجهة أي تجاوز أمريكي داعم لإسرائيل، بما يجعل الكلفة السياسية والاقتصادية والأمنية عالية على الغرب.
وأشار إلى ضرورة تعديل سياسات إنتاج وتصدير النفط والغاز لإرسال رسائل قوية للأسواق ولواشنطن خصوصًا، وإعادة النظر في الاتفاقيات التجارية والاستثمارية، فضلًا عن تعزيز التعاون العسكري مع شركاء إقليميين آخرين بعيدًا عن التبعية الكاملة للولايات المتحدة، وتطوير قدرات الرصد المبكر لمواجهة أي اعتداء مقبل.
وختم الهنائي بالتأكيد على أن كل هذه الخطوات لن تتحقق دون إرادة حقيقية وشعور بالمسؤولية، معبرًا عن استغرابه من صمت الدول المطبّعة قائلاً: «حتى الآن لم نسمع بسحب أي سفير، وإن استمر هذا التخاذل فالهجوم على الدوحة سيتكرر، وربما المرة القادمة ليس في قطر وحدها».
فراغ استراتيجي وتهديد لكل العواصم العربية
اعتبر رئيس مركز «ريكونسنس» للبحوث والدراسات (مستقل مقره الكويت)، د. عبدالعزيز العنجري، أن استهداف الدوحة – العاصمة التي كرّست دورها للوساطة الدولية – يكشف عن «فراغ استراتيجي خطير»، ويؤكد أن إسرائيل «تتحرك بلا رادع، مطمئنة إلى أن الردود لن تتجاوز بيانات الإدانة».
وشدّد العنجري على أن «الدوحة ليست وحدها في دائرة الخطر، بل كل العواصم الخليجية والعربية معنية بهذه الرسالة»، لافتًا إلى أن ما جرى يعكس نمطًا ثابتًا في سلوك إسرائيل يقوم على «الاستباحة وتغليب المصلحة الآنية على أي التزام».
وأكد أن التضامن مع قطر اليوم «واجب سياسي وأخلاقي»، مضيفًا أن حماية السيادة لا تتحقق بالخطابات، بل عبر امتلاك القدرة على الردع.