في الأول من سبتمبر 2025، أعلن رئيس حكومة الانقلاب مصطفى مدبولي خلال اجتماع اللجنة الوزارية للسياحة بالعاصمة الإدارية الجديدة عن خطة حكومية لزيادة حجم أسطول الطيران المدني بنحو 30% خلال الفترة المقبلة، مبرّرًا ذلك بطفرة في قطاع السياحة وجذب العملة الصعبة، وأن "جهودًا حثيثة" تُبذل من وزارة الطيران المدني لتحقيق هذا الهدف.

هذا القرار أثار ردود فعل غاضبة في الشارع المصري، خاصة وأنه يأتي في ظل تداعيات اقتصادية وصفّتها منظمات حقوقية بأنها "أزمة عميقة" تعيق حياة المواطن العادي.

فما مصدر هذه الأموال؟

ولماذا أُهملت الأولويات الاجتماعية؟

وما الذي أُعلن بالضبط؟

قالت مصادر حكومية وصحافية أن الخطة تتضمن توسعًا في أسطول شركات الطيران المصرية وإدخال طرازات جديدة خلال السنوات المقبلة، بينما تشارك الدولة مع القطاع الخاص في فتح عقود تشغيل وإدارة لمطارات.

التصريحات الرسمية لم تذكر قائمة أسعار مفصّلة أو جدولًا زمنيًا دقيقًا للتسليمات، لكن وسائل إعلام نقلت عن مسؤولين أنهم يسعون لرفع عدد الطائرات التجارية والمناولة بنحو 30%.

 

من أين تأتي الأموال؟ (مصادر التمويل المحتملة)

التمويل لشراء أو استئجار طائرات جديدة يمكن أن يأتي من عدة مصادر: تمويلات مباشرة من الخزانة العامة، قروض تجارية طويلة الأجل، تسهيلات ائتمانية من شركات التصنيع (مثل بوينغ أو إيرباص) أو استثمار من شركاء خليجيين/أجانب.

في السنوات الأخيرة دخلت مصر في اتفاقيات تمويل ودعم دولي (ومن ضمنها أدوات دعم واستثمارات خليجية) كما حصلت على حزمة دعم مالي كبيرة من صندوق النقد الدولي بمبادرة قُدّرت بمليارات الدولارات في 2024.

أي خطة توسعية كبيرة تحتاج إما تخصيصًا في الموازنة أو قروضًا جديدة أو استثمارات مُعلنة، وما لم تُعلن الحكومة مصدرًا محددًا، يظل السؤال مفتوحًا.

 

أرقام متضاربة.. طائرات بأكثر من نصف مليار دولار في وقت أزمة شعبية

تعود جذور هذه الصدمة إلى سنوات ما قبل الأزمة الاقتصادية الحالية إذ كشفت تقارير موثقة عن إنفاق حكومة الانقلاب المصرية أكثر من 500 مليون دولار على شراء طائرات حصرية ومجهزة لهيئة الرئاسة.

ففي عام 2022، تم الإعلان عن صفقة طائرة رئاسية جديدة قيمة وصلت إلى 240 مليون دولار بعدما رفض السيسي عرضاً أولياً 500 مليون.

هذه الطائرة الرئاسية كانت مضافة لأسطول طائرات الحكومة التي بلغ عددها 24 طائرة فخمة، تمثل ترفاً باهظاً وسط تقشف يعيش فيه الشعب المصري.

وفي 2016، كشفت صحف فرنسية أن الحكومة اشترت 4 طائرات من طراز “Falcon 7X” بقيمة 300 مليون يورو، أي ما يزيد عن 5 مليارات جنيه مصري، ضمن استراتيجية إبدال وتجديد الطائرات الحكومية الأمريكية القديمة.

 

التناقض بين الترف الحكومي والتقشف الشعبي

المواطنون يواجهون ارتفاعًا في الأسعار وضغوطًا على القدرة الشرائية: معدلات التضخم بقيت مرتفعة خلال 2024–2025 رغم تحسّن طفيف، والحكومة طبّقت إصلاحات تقشفية وإجراءات تقليل الدعم كشرط لبرامج تمويل دولية.

في هذا السياق، إعلان إنفاق كبير على أسطول الطيران يُقرأ لدى شريحة واسعة كدليل على أولويات إنفاق لا تتماشى مع حاجة الطبقات الفقيرة والمتوسطة إلى دعم السلع الأساسية والرعاية الصحية والتعليم.

تتصاعد الانتقادات عندما يُطالب المواطنين بـ«التقشف» في حين تُنفق الدولة على مشتريات فاخرة أو تجهيزات عالية الكلفة.

 

أرقام ومقاربات مادية (تقديرية)

تكلفة الطائرات تختلف اختلافًا كبيرًا بحسب النوع (طائرات ركاب ضيقة البدن، بعيدة المدى، أو طائرات حكومية فاخرة)، مثال: صفقة طائرات تجارية جديدة قد تتراوح مئات الملايين من الدولارات للطائرة الواحدة حسب الطراز، حتى لو كانت الزيادة بمقدار 30% لأسطول متوسّط الحجم، فهذا يعني عشرات أو مئات الملايين من الدولارات إن لم يكن أكثر، رقم يمكن أن يمثّل جزءًا كبيرًا من الاعتمادات المخصصة لقطاعات اجتماعية مهمة لو صُرف محليًا.

حكومة الانقلاب لم تُقدم كشفًا تفصيليًا عن التكلفة أو الجدول الزمني للتسديد، ما يجعل المواجهة بشأن الأولويات مفتوحة.

 

تصريحات السياسيين والاقتصاديين

نقّاد اقتصاديون وسياسيون مستقلون قالوا إن توسيع أسطول الطيران يجب أن يكون مبنيًا على دراسة جدوى شفافة تشمل أثره المباشر على التشغيل والسياحة والميزان التجاري، وليس قرارات تُتّخذ على أساس الظهور الإعلامي أو رغبة في مشاريع مفاخرة للسلطة.

أثارت هذه الصفقات ضجة وانتقادات حادة بلغ بعضها حيز التصريحات العلنية من سياسيين ونشطاء.

فمن أمين عام حزب المحافظين طلعت خليل جاء انتقاده قائماً على تناقض الحكومة بين ترشيد الضوء والطاقة، وفي الوقت ذاته اقتناء طائرة رئاسية مصرفية فخمة تستهلك وقوداً يقدر بـ260 ألف جنيه مصري في الساعة الواحدة.

كما طالب اقتصاديون بضرورة الإعلان عن بنود التمويل والضمانات وخطط سداد الديون (إن وُجدت) قبل إبرام أي عقود، كي لا يتحمل المواطن فاتورة تمويلات طويلة الأجل عبر رفع الضرائب أو تقليص الدعم.

 

ما أسباب القلق؟!

  1. شفافية الإنفاق: في غياب تقارير مالية مفصلة، يبدو الإنفاق الفلكي على أسطول طيران جديد قرارًا يحمل مخاطر فساد وإسراف.
  2. الأولويات الاجتماعية: بينما لم تُخفض الدولة دعماً للوقود أو تجرّ إصلاحات سوق الإيجارات وتعدّل نظم الدعم، يثير الاستثمار في أساطيل طيران تساؤلات حول العدالة في توزيع الموارد.

 

توصيات

قرار زيادة أسطول الطيران بنسبة 30%  يمكن قبوله إذا صُاحب بـ:

  • كشف مالي شفاف حول تكلفة الصفقة، جدول تسليم، وتصريحات دقيقة لمصدر التمويل.
  • دليل قاطع على أن هذا الإنفاق لن ينعكس برفع الضرائب أو تخفيض دعم الغذاء أو التعليم أو الصحة.
  • خطة للتوظيف والتشغيل تُظهر أن القطاع الخاص هو المستفيد والمحفز للنمو، لا الأنفاق المرهق للموازنة.

في غياب هذه الضمانات، فإن هذا البروتوكول الحكومي يُقرأ كصفقة ستحمل أعباء إضافية على المواطن خلال سنوات، في وقت يرى فيه أن أولى واجبات الدولة هي الكاشف عن المال العام، لا إخفاؤه.

المواطنون لا يرفضون التطوير بالضرورة، لكنهم يطالبون بأن تكون أولويات الإنفاق الوطنية عادلة وشفافة، وإلا ستبقى تصريحات «التقشف على الشعب» و«البذخ على مؤسسات الدولة» وقائع يومية تُغذي السخط الشعبي.