شهدت العاصمة القطرية الدوحة تطوراً خطيراً حين نفّذت إسرائيل هجوماً استهدف قيادات من حركة حماس، في نطاق قريب من عدة سفارات أجنبية، ما أثار مخاوف واسعة بشأن الأمن الإقليمي. مصادر من داخل الحركة أكدت أن فريقاً من مفاوضيها كان هدفاً مباشراً للهجوم، الأمر الذي يضع العملية في إطار سياسي يتجاوز البعد العسكري البحت.

ونفّذت إسرائيل ضربة جوية دقيقة استهدفت مقرًّا لقيادات في حركة حماس في العاصمة القطرية الدوحة، في حيّ دبلوماسي بالقرب من محطة وقود.

الضربات، التي نفذت باستخدام ذخائر دقيقة بناءً على معلومات استخباراتية، استهدفت اجتماعًا لقياديين من الوفد المفاوض في إطار جهود التوصّل إلى تهدئة، ووفق تقارير، شاركت ما يُشبه عشرة مقاتلات إسرائيلية أطلقت نحو 12 صاروخًا ضد المبنى المستهدف ما تسبب في استشهاد 6، من بينهم: ابن خليل الحيّة، أحد كبار قادة حماس، ومدير مكتبه (مساعد شخصي)، وثلاثة من حراسهم الشخصيين، وضابط من جهاز الأمن الداخلي القطري.

 

الموقف القطري: انتهاك سافر للسيادة

وزارة الخارجية القطرية سارعت إلى إصدار بيان شديد اللهجة وصفت فيه العملية بأنها "انتهاك سافر للقانون الدولي"، مؤكدة أنها لن تتسامح مع ما وصفته بـ "السلوك الإسرائيلي غير المسؤول". هذا التصريح يعكس حجم الاستفزاز الذي مثلته الضربة، خاصة أن قطر لعبت دوراً محورياً في استضافة جولات تفاوضية حساسة خلال السنوات الماضية، بينها محادثات واشنطن مع طالبان قبل 2021.

 

الرواية الإسرائيلية: ضربة دقيقة ومبررة

على الجانب الإسرائيلي، أعلن الجيش أنه نفذ "ضربة دقيقة"، مؤكداً أن المستهدفين كانوا مسؤولين بشكل مباشر عن هجوم السابع من أكتوبر 2023.

وفي بيان مشترك، قال رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس إن العملية جاءت بعد سلسلة عمليات دامية في القدس وغزة، وإنها جرت "وفق أفضل المعايير" وبموافقة القيادات الأمنية كافة. البيان شدد على أن استهداف قادة حماس "مبرر"، باعتبارهم المسؤولين عن استمرار الهجمات ضد إسرائيل.

 

الموقف الأمريكي: إلغاء التحذيرات الأمنية

في خضم الجدل، أعلنت السفارة الأمريكية في الدوحة رفع جميع القيود المفروضة على موظفيها، بعد أن كانت قد حذرت في وقت سابق من البقاء في أماكن مغلقة. السفارة أشارت في بيان لها عبر منصة "إكس" إلى أن التحذير لم يعد سارياً، لكنها طالبت مواطنيها باليقظة. في المقابل، نقلت وسائل إعلام عن مسؤول في البيت الأبيض أن إدارة الرئيس ترامب "أحيطت علماً" مسبقاً بالهجوم قبل تنفيذه، ما يثير تساؤلات عن مدى علم واشنطن وتواطؤها الضمني.

 

تداعيات على مسار التفاوض

تقرير لمراسل الشؤون الأمنية في بي بي سي، فرانك غاردنر، حذّر من أن العملية تمثل سابقة مثيرة للقلق بشأن مستقبل محادثات السلام. إذ لم يعقد فريق المفاوضات التابع لحماس أي لقاء مباشر مع إسرائيل منذ يوليو ، ما يطرح أسئلة عن هدف تل أبيب من استهداف وفد مفاوض خارج فلسطين. كما برز تساؤل أكبر: إذا كانت الدوحة، التي استضافت محادثات طالبان-واشنطن، لم تعد مكاناً آمناً، فأين يمكن أن تستمر مثل هذه المفاوضات في المستقبل؟

 

انعكاسات استراتيجية

الهجوم فتح باب الجدل حول عدة قضايا أساسية:

  • السيادة القطرية: كيف سترد الدوحة على خرق أمني بهذا الحجم؟
  • الدور الأمريكي: هل كانت واشنطن على علم مسبق، وكيف سينعكس ذلك على وجودها العسكري المكثف في قاعدة العديد؟
  • التحالفات الخليجية: إلى أي مدى ستؤثر هذه الحادثة على الثقة بين دول الخليج والولايات المتحدة؟

بهذا التطور، دخلت الأزمة الإقليمية مرحلة أكثر حساسية. فالهجوم الإسرائيلي في قلب الدوحة ليس مجرد عملية عسكرية ضد قيادات حماس، بل رسالة سياسية مزدوجة: إلى خصوم إسرائيل في المنطقة، وإلى الوسطاء الدوليين الذين يحاولون إبقاء قنوات الحوار مفتوحة.

وبينما تواصل واشنطن وقطر تقييم الموقف، تبقى الأسئلة الكبرى بلا إجابة: هل ما جرى سيؤدي إلى إغلاق نافذة التفاوض نهائياً؟ أم أنه سيدفع الأطراف الدولية إلى إعادة صياغة معادلة الأمن والسلام في الشرق الأوسط؟