بينما تتسارع وتيرة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، جاء الإعلان عن مبادرة أميركية جديدة يقودها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ليضيف مزيداً من التعقيد إلى المشهد.
المبادرة التي قُدمت باعتبارها "خطة سلام" تقوم على تسليم الأسرى الإسرائيليين الأحياء والأموات في يوم واحد، قوبلت بتصعيد عسكري غير مسبوق في مدينة غزة، التي تحولت منذ أسابيع إلى مسرح لدمار شامل، وسط اتهامات بأن المبادرة ليست سوى نسخة إسرائيلية أُعيد تسويقها بغطاء أميركي.
 

تصعيد ميداني متزامن مع الطرح الأميركي
ميدانياً، شهدت أحياء الشيخ رضوان ومنطقة النفق وأبو إسكندر في شمال غزة موجات قصف ونسف متتالية طالت البيوت والمربعات السكنية. ولم تتوقف آلة التدمير عند ذلك، بل امتدت إلى أحياء الصبرة والزيتون والتفاح والدرج شرق المدينة، حيث يعيش السكان ظروفاً أشبه بالجحيم في ظل انعدام أي ممرات آمنة رغم مزاعم الاحتلال بوجود "مناطق آمنة" في المواصي.
وفي سياق متصل، فجّر الاحتلال عمارة سكنية جديدة بعد أن تم إخلاؤها من سكانها، مواصلاً سياسة تدمير الأبراج التي صارت رمزاً لبطش عسكري يسعى لتفريغ المدينة وإرغام سكانها على النزوح.
 

تصريحات أميركية وتهديدات إسرائيلية
الرئيس الأميركي ترامب، وعبر منصته "تروث سوشيال"، كتب قائلاً: "الجميع يريد عودة الرهائن إلى منازلهم. الجميع يريد انتهاء هذه الحرب. قبل الإسرائيليون بشروطي. حان الوقت لكي تقبل حماس أيضًا. هذا تحذيري الأخير!".
رد حركة حماس جاء سريعاً، مؤكدة أنها تلقت بعض الأفكار عبر الوسطاء، وأنها ترحب بأي تحرك يساعد في وقف العدوان، لكنها وضعت شرطاً أساسياً: وقف الحرب وانسحاب الاحتلال من القطاع، مع تشكيل لجنة فلسطينية مستقلة لإدارة غزة وضمان التزام الاحتلال علناً بما يتم الاتفاق عليه.

غير أن وزير الأمن الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، رد بلهجة حادة قائلاً: "أطلقوا سراح الرهائن وألقوا أسلحتكم، وإلا فسيتم تدمير غزة بالكامل".
 

محللون: المبادرة "منحازة" ومجرد غطاء
المحلل السياسي إياد القرا رأى أن خطاب ترامب يعكس دعماً مباشراً لنتنياهو، معتبراً أن المبادرة صيغت في مكتب الوزير الإسرائيلي رون درمير بدعم أميركي. وأضاف أن "المبادرة منحازة بالكامل للاحتلال، إذ تمنحه الأسرى أولاً ثم تفتح نقاشاً فضفاضاً حول وقف الحرب، دون ضمانات".

أما المحلل إبراهيم المدهون، فوصف المبادرة بأنها "غير عملية ولا منطقية"، موضحاً أنها تسعى لنزع أهم أوراق المقاومة – ملف الأسرى – دون إنهاء العدوان، مما يجعلها "من أسوأ ما طرح حتى الآن".
 

صحافة إسرائيلية: الخطة صناعة تل أبيب
الصحفي الإسرائيلي عميت سيغال ذهب أبعد من ذلك، مؤكداً أن المبادرة الأخيرة ليست أميركية بل إسرائيلية "صُنع في تل أبيب". وقال إن ترامب أعاد تغليفها فقط وقدمها للرأي العام، مشبهاً الأمر بمنتجات آبل التي تُصنع في الصين وتوضع عليها لاحقاً عبارة "صُنع في أميركا".
 

أرقام كارثية للإبادة المستمرة
وبالتوازي مع هذه التطورات، يواصل الاحتلال الإسرائيلي بدعم أميركي ارتكاب جرائم حرب وصفتها منظمات حقوقية بالإبادة الجماعية. ومنذ 7 أكتوبر 2023، أسفرت الهجمات عن استشهاد 64,455 فلسطينياً، وإصابة 162,776 آخرين، معظمهم من النساء والأطفال، إضافة إلى أكثر من 9 آلاف مفقود ومئات آلاف النازحين، كما أودت المجاعة بحياة 387 شخصاً، بينهم 138 طفلاً، في مشهد يعكس انهياراً إنسانياً شاملاً.