كشفت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في بيان حديث أن نحو 700 ألف امرأة وفتاة في سن الحيض في قطاع غزة يعانين أوضاعًا إنسانية بالغة القسوة، بعدما تحولت الدورة الشهرية بالنسبة لهن إلى مصدر "خجل وذعر وعزلة"، في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية والحصار الخانق على القطاع منذ ما يقارب العام.
 

نقص حاد في المستلزمات الصحية
بحسب الوكالة، فإن ندرة الفوط الصحية وغياب أبسط المستلزمات الطبية والوقائية جعلت النساء والفتيات في غزة يواجهن أزمة صامتة لا تقل قسوة عن القصف ونقص الغذاء.
كثير منهن يضطررن لاستخدام بدائل بدائية مثل قطع القماش القديمة أو الورق، وهو ما يهدد بانتشار التهابات وأمراض خطيرة.

منظمات حقوقية حذرت في وقت سابق من أن تجاهل هذا الملف "الإنساني البالغ الحساسية" يكشف مدى عمق الكارثة الصحية في غزة، حيث لم تعد الحياة اليومية تسير وفق أي حد أدنى من الكرامة الإنسانية.

وفقًا لتقديرات صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA)، لا يتوفر في قطاع غزة سوى أقل من ربع الكمية المطلوبة من الفوط الصحية شهريًا، ما يفاقم الأزمة التي تعيشها النساء والفتيات في ظل الحرب.

وقد أكدت وكالة الأونروا أنها تمتلك مستلزمات نظافة جاهزة للتوزيع، لكن السلطات الإسرائيلية منعت دخولها منذ الثاني من مارس الماضي، تاركة مئات الآلاف يواجهون معاناة يومية مضاعفة.
وأوضحت الوكالة أن الدورة الشهرية باتت مصدرًا "للخجل والذعر والعزلة" لنساء وفتيات غزة، مشددة على أن الحل الوحيد هو السماح الفوري بدخول هذه المساعدات ورفع الحصار عن القطاع.
 

خجل ومعاناة نفسية
الأونروا أوضحت أن الأزمة لا تقف عند الجانب الصحي فقط، بل تمتد إلى آثار نفسية واجتماعية خطيرة، إذ تعيش مئات الآلاف من النساء والفتيات حالة من الخجل والعزلة القسرية، مع شعور متزايد بانعدام الخصوصية داخل مراكز الإيواء المزدحمة.
هذا الوضع يحرمهن من حق طبيعي في إدارة احتياجاتهن الشهرية بكرامة، ويدفع بالكثيرات منهن إلى الانطواء أو الانسحاب من المشاركة في أي نشاط اجتماعي أو تعليمي.
 

جريمة إنسانية مركبة
محللون اعتبروا أن ما يحدث للنساء والفتيات في غزة "جريمة إنسانية مركبة"، إذ يكشف عن تعمد الاحتلال الإسرائيلي ضرب مقومات الحياة الأساسية للسكان، بحيث لا تقتصر معاناتهم على القصف المباشر، بل تمتد لتشمل أبسط تفاصيل الحياة اليومية.
ويؤكد خبراء في الصحة العامة أن استمرار هذه الظروف قد يؤدي إلى تفشي أمراض نسائية خطيرة، خصوصًا في ظل غياب الرعاية الطبية وانهيار المنظومة الصحية بالكامل.
 

دعوات عاجلة للتدخل
الأونروا دعت المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية إلى التحرك العاجل لتوفير المستلزمات الصحية للنساء والفتيات في غزة، معتبرة أن "تجاهل هذه المعاناة انتهاك مباشر لحقوق المرأة والكرامة الإنسانية".
كما شددت على أن الأزمة الإنسانية في غزة لا يمكن معالجتها من خلال المساعدات المحدودة فقط، بل تتطلب وقفًا فوريًا للعدوان ورفع الحصار للسماح بتدفق الإمدادات بشكل طبيعي.

بينما يتصدر القصف والدمار عناوين الأخبار القادمة من غزة، يبقى واقع النساء والفتيات هناك شاهدًا آخر على عمق الكارثة الإنسانية.
فحين تتحول الدورة الشهرية، وهي عملية طبيعية في حياة نصف المجتمع، إلى مصدر ذعر ومعاناة، فهذا يعني أن الحرب لم تكتفِ بتدمير البيوت والمستشفيات، بل سلبت من الناس أبسط حقوقهم في العيش بكرامة.