منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في أكتوبر 2023، وجد عشرات الآلاف من الفلسطينيين أنفسهم في رحلة قسرية إلى مصر بحثًا عن الأمان والعلاج والملاذ المؤقت.

إلا أن المؤقت طال حتى صار إقامة قسرية دامت لما يقارب العامين، وسط غياب حلول سياسية أو إنسانية واضحة، ما فاقم معاناتهم اليومية وفتح أبواب أزمات معيشية متعددة لم تكن في الحسبان.

تشير التقديرات إلى أن أكثر من 100 ألف فلسطيني دخلوا الأراضي المصرية منذ بداية الحرب، بعضهم للعلاج وآخرون فرارًا من أتون القصف والحصار.
ومع مرور الوقت، تحولت رحلتهم إلى مأساة متواصلة، إذ وجدوا أنفسهم بلا مصادر دخل أو إقامة رسمية، في مواجهة غلاء معيشة يلتهم القليل الذي تبقى من مدخراتهم.
 

غياب الدخل وتراكم الديون
نور الشاعر، أحد الفلسطينيين الذين غادروا غزة في الأيام الأولى للعدوان، يمثل نموذجًا لمعاناة آلاف غيره.
يقول: "ظننت أنني سأبقى شهرًا أو شهرين ثم أعود، لكن الحرب طالت حتى استنزفت كل ما أملك، اليوم أحتاج ما يقارب 40 ألف جنيه مصري شهريًا لإيجار البيت والمصاريف الأساسية، لا أستطيع العمل لعدم امتلاكي إقامة رسمية، وأضطر للاستدانة من الأقارب والمعارف فقط لأبقى على قيد الحياة".
 

أزمة التعليم المفقود
إلى جانب الضائقة المالية، يواجه العالقون معضلة تعليمية قاسية. مها الكفارنة، وهي أم لثلاثة أطفال، تكشف أن أبناءها انقطعوا عن الدراسة لعامين متتالين بسبب رفض المدارس المصرية تسجيلهم لعدم امتلاكهم أوراق إقامة سارية.
ومع بداية عام دراسي جديد، يتجه أطفالها نحو عام ثالث خارج مقاعد الدراسة، ما يهدد مستقبل جيل كامل من أبناء غزة العالقين.
 

بوابة رفح المغلقة
الطريق إلى مصر لم يكن سهلًا، إذ شكّل معبر رفح البري، المنفذ الوحيد لسكان غزة، عقبة كبيرة منذ اللحظة الأولى.
فقد رافقت عملية الخروج إجراءات معقدة وانتظار طويل وتكاليف باهظة لما يُعرف بـ"تنسيقات السفر".
ومع احتلال إسرائيل للمعبر وإغلاقه الكامل في مايو 2024، بات العالقون داخل مصر منفصلين قسرًا عن ذويهم في القطاع، وفقد كثيرون الأمل بالعودة القريبة.
 

شتات داخل مصر بلا أفق
توزع الفلسطينيون بين القاهرة والإسكندرية والعريش ومدن الدلتا، بحثًا عن مناطق أقل تكلفة في السكن والمعيشة، لكن مهما اختلفت المدن، بقي القاسم المشترك هو المعاناة: إيجارات مرتفعة، تكاليف يومية مرهقة، وانعدام أي فرص رسمية للعمل.

إلى ذلك، يشكو كثيرون من ضعف دور السفارة الفلسطينية في القاهرة. فبينما يطالب العالقون بالدعم المادي والمعنوي، ترد السفارة بأن إمكانات السلطة الفلسطينية لا تسمح بذلك، واقتصرت جهودها على تسهيل بعض الإجراءات الرسمية كإصدار الوثائق أو التصديقات.
 

مبادرات فردية ودعم محدود
في ظل غياب الرعاية الرسمية، برزت بعض المؤسسات الخيرية المصرية، إضافة إلى مبادرات فلسطينية فردية، لتقديم مساعدات محدودة للعائلات المحتاجة.
لكن هذه المساعدات لا تكفي لتغطية الاحتياجات الأساسية من إيجار، علاج، أو تعليم.

يؤكد صلاح عبد العاطي، رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني "حشد"، أن "أكثر ما يحتاجه الفلسطينيون العالقون في مصر يتمثل في تغطية إيجارات السكن، تكاليف التعليم، والمصاريف اليومية. كثيرون يعيشون تحت خط الكفاف، وبعضهم مهدد بالتشرد أو الحرمان الكامل من الرعاية الصحية."