ألقى عبد الفتاح السيسي اليوم خطابًا في احتفالية ذكرى المولد النبوي الشريف، مصوّبًا أنظار الجماهير تجاه ما أسماه "مئوية محمدية لا تتكرر إلا بعد مئة عام".

بدا الخطاب وكأنه احتفال روحي عام، تضمن دعوات لإحياء قيم الصدق والأمانة والصبر، ومناشدات بأن يتحوّل حب الرسول ﷺ إلى برامج عمل تعكس الإيمان.

 

وعود رنانة في مقابل واقع متآكل

تكلّم السيسي عن ضرورة ترسيخ منظومة القيم النبويّة، مثل "الصدق، الأمانة، الوفاء، إكرام الطفولة والمرأة، ورعاية العلم والإبداع"، داعيًا إلى تحويل هذا الحب إلى مواجهة عملية تنبع من "نور الإيمان والعمل".

لكنه غاب في كلمته التي دامت وقتًا لا بأس به، أي ذكر حقيقي لظروف المواطن العربي العادي، من أزمة التعليم إلى الانقطاع المتكرر للكهرباء، مرورًا بالفقر المتزايد والغلاء الذي ينهش جيوب الناس.

 

أمان مجازي وسط مردودات ميدانية

طمأن السيسي شعبه قائلاً إن مصر ستظل "أرض الأمان والسلام والعزة"، وأن الدولة واعية بما يُحاك ضدها، لكنها صارت مخاطرة أجوف حين يُنظر إلى الواقع: المستشفيات التي تنهار، الأطفال الذين لا يجدون مدرسيّاً مؤهلاً، والموظف الذي يُكرّس حياته لدفع الضرائب في دولة لا تقدّم له بالعكس سوى صمّ آذان وسلب الحقوق.

رموز بطولية... وفي الحياة اليومية بطولات تستحق الإنصاف

كما حرص السيسي على تكريم علماء ومبدعين وسائق توفى أثناء إنقاذ الآخرين من حريق، معرّفًا إياهم بأنهم “رموز للتضحية والفداء”.

إلا أن هذه الرموز الفخرية، وإن كانت جديرة بالتقدير، كانت في تناقض صارخ مع المواطن العادي الذي لا يجد مكانًا لتلقي علاج محترم، أو أن يكون مطلبُه لتعليم كريم أو مسكن لائقاً حقًا، وليس منةً تنتظر من أحد أن يمنحها.

 

خطاب متسق... وواقع متعسّر

خطاب اليوم رسّخ مفهومًا: حب الرسول ﷺ يعني الأخلاق والزيادة في الخير. لكنه نسف هذا المفهوم حين فرض فرضيات تظهر الدولة وكأنها بعيدة كل البعد عن الأزمات اليومية ، فالحارات الشعبية، وحتى بعض المناطق هنا في الصعيد أو الدلتا، التي لا تعرف هذه "القيم" سوى كعبارات على لافتات في مناسبات نادرة.

 

خلاصة: الكلام جميل... لكن الواقع معاكس تمامًا

في النهاية، تبدو كلمات السيسي اليوم كأنها مرآة فارغة تُعكس فيها القيم المثالية دون وجود أساس ملموس لها. فالناس يعيشون النقيض تمامًا: فسادًا مستشريًا، خدمات صحية منهارة، تعليمًا خارج القيد، فرص عمل قليلة، وأحلامًا تُكبحها بقوانين تُقيّدهم لا تحميهم.

إن العالم المثالي هو متنّيا، في حين لحظة المصري اليوم تُقاس بما يرتجف تحت قدمه من احتياج، لا بما يُرفع فوق رأسه من شعارات خالية من التطبيق. وكأن الزمان يبرق "مولدًا نبويًا"، بينما العمر الحقيقي للمواطنين ينطفئ يوميًا وسط غياب العدالة والكرامة.