في تقرير صادم نشره المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، وُصفت سياسات عبد الفتاح السيسي بأنها نموذج صارخ لكيفية تحويل القروض الدولية إلى أداة سياسية لتثبيت أركان الحكم بدلًا من أن تكون وسيلة للإصلاح والتنمية.

التقرير، الذي حمل عنوان "أمراء الديون"، اعتبر أن مصر في عهد السيسي لم تشهد أي إصلاح اقتصادي حقيقي، بل تعمّقت أزمتها بسبب الارتهان للقروض، التي استُخدمت لإرضاء شبكات المصالح المرتبطة بالنظام، وفي مقدمتها المؤسسة العسكرية، بينما ظل الشعب المصري يرزح تحت التضخم والفقر والديون المتراكمة.
 

الديون كأداة لتعزيز السلطة النظامية
يقول د. ستيفان رول، الباحث المختص بشؤون مصر والشرق الأوسط في المعهد الألماني، إن مصر شهدت خلال حكم السيسي تضاعفًا هائلًا في ديونها الخارجية، من نحو 15% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2013 إلى ما يقرب من 35% بنهاية مارس 2022.
يشير رول إلى أن النظام المصري استثمر سياسة الاقتراض في دعم محوره السلطوي، بحيث أصبحت القروض أداة لتخليق علاقات تبعية مع مؤسسات التمويل الدولية، إلى جانب منح عقود مالية مربحة للدوائر المقربة من السلطة، وغض النظر عن الشفافية المالية.
كما أبرز أن الجيش المصري، الذي يتربع على مقدرات البنى التحتية، استفاد بشكل رئيسي من هذه العقود المدعومة بالديون، ما غذى شبكة اقتصادية جديدة تعزز من قبضته على الدولة.
 

مشروعات ضخمة غير ذات جدوى اقتصادية
من الأمثلة التي تناولها التقرير، مشروع توسعة قناة السويس عام 2015، الذي كلف أكثر من 8 مليارات دولار، لكنه لم يحقق العوائد الموعودة.
كذلك العاصمة الإدارية الجديدة، التي تراوحت تكلفتها بين 24 إلى 58 مليار دولار، وسط غياب كامل للشفافية، مع استحواذ المؤسسة العسكرية على غالبية إدارة المشروع، ما جعله أداة إضافية لتثبيت الحكم بدلًا من مشروع قومي يخدم التنمية.
 

تمويل عسكري دون رقابة يثبّت السلطة
أبرز التقرير أيضًا أن واردات مصر من الأسلحة شهدت قفزة غير مسبوقة، لتصبح ثالث أكبر مستورد للأسلحة عالميًا، حيث بلغت مشترياتها نحو 16 مليار دولار خلال عامَي 2019 و2020.

جرى تمويل هذه الصفقات عبر قروض خارجية تم تمريرها بعيدًا عن أي إشراف أو رقابة، بعدما استُثنيت التعاقدات العسكرية من الجهاز المركزي للمحاسبات، وهو ما فتح الباب أمام فساد واسع وعوائد مالية مباشرة للمؤسسة العسكرية، مقابل استمرارها في حماية النظام.
 

الديون المتصاعدة تهدد التنمية والمنظومة الاجتماعية
التقرير حذّر من أن اعتماد النظام على الاقتراض كآلية رئيسية لإدارة الدولة سيؤدي إلى مزيد من تعميق الفقر، حيث تذهب الحصة الأكبر من الموازنة العامة إلى خدمة الدين بدلًا من التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية.
كما نبه إلى أن هذا النهج قد يدفع مصر نحو "كارثة مالية حقيقية" إذا استمرت الحكومة في تجاهل الإصلاحات الجوهرية وتفضيل البقاء السياسي على حساب التنمية المستدامة.
 

السيسي يقود مصر نحو الكارثة
خلص تقرير المعهد الألماني إلى أن عبد الفتاح السيسي لم يستخدم القروض لإنقاذ الاقتصاد، بل جعلها وسيلة لتغذية سلطته وتعزيز نفوذ المؤسسة العسكرية، بينما ترك الشعب غارقًا في الفقر والدين.

التقرير اعتبر أن السيسي مسؤول بشكل مباشر عن تحويل مصر إلى "دولة رهينة" للبنوك الدولية، وأن استمراره في هذا النهج سيقود البلاد إلى انهيار مالي واجتماعي شامل.
ويطرح التقرير سؤالًا قاسيًا: إلى متى سيستطيع السيسي خداع الداخل والخارج بخطاب "الإنجازات الوهمية"، بينما الحقيقة أن مصر تقترب بسرعة من حافة الإفلاس، وأن الثمن سيدفعه الشعب وحده؟