في خطوة جديدة تكشف حجم النفوذ الإماراتي المتزايد في مصر، أعلنت شركة "إمستيل" الإماراتية عن تزويد هيئة قناة السويس بألواح ارتكازية ضخمة تُستخدم في بناء جسر عائم جديد يربط بين ضفتي القناة، ضمن خطة توسعية لزيادة حركة العبور بين الشرق والغرب.
ورغم أن الإعلان الرسمي ركّز على الطابع الإنشائي والاقتصادي للمشروع، إلا أن التساؤلات تصاعدت سريعاً بشأن المقابل المالي والسياسي لهذه الصفقة، وحقيقة النفوذ الإماراتي الذي يزحف نحو واحد من أهم الممرات البحرية في العالم.
تفاصيل الصفقة
وبحسب مصادر مطلعة على المفاوضات، فإن العقد المبرم مع الشركة الإماراتية يشمل تزويد مصر بألواح ارتكازية فولاذية عالية المتانة، يتم تثبيتها في قاع القناة لدعم الجسر العائم، إلى جانب خدمات لوجستية وفنية مرتبطة بتركيب هذه الألواح.
وتؤكد الهيئة أن المشروع يهدف إلى تسهيل حركة السكان والبضائع بين الضفتين، وخدمة خطط التنمية في مدن القناة وسيناء.
غير أن اللافت، وفق خبراء اقتصاديين، أن مصر قبلت شروطاً مالية مُثقلة تتضمن سداد قيمة الصفقة بالدولار على أقساط طويلة، فضلاً عن منح الشركة الإماراتية حقوقاً تشغيلية وصيانة لسنوات، وهو ما يعني عملياً تقاسم السيطرة على البنية التحتية للمشروع مع طرف خارجي.
الإمارات وطموح السيطرة على الممر البحري
لا يمكن النظر إلى الصفقة بمعزل عن الطموحات الإماراتية القديمة في النفاذ إلى شواطئ قناة السويس، والتي تمثل شرياناً رئيسياً للتجارة العالمية، يمر عبره ما يزيد على 12% من حركة التجارة الدولية.
فمنذ سنوات، دخلت أبوظبي عبر شركاتها الاستثمارية في مفاوضات ومشروعات متعددة داخل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، شملت الموانئ والخدمات اللوجستية والمناطق الصناعية.
ويرى مراقبون أن الجسر العائم ليس مجرد مشروع هندسي، بل حلقة جديدة في سلسلة النفوذ الإماراتي الذي يمتد من القرن الإفريقي واليمن حتى شرق المتوسط. الهدف النهائي، بحسب هؤلاء، هو إحكام السيطرة على الممرات البحرية الاستراتيجية بما يضمن للإمارات موقعاً متقدماً في خريطة التجارة العالمية، حتى لو جاء ذلك على حساب سيادة مصر ومصالحها الوطنية.
المقابل الخفي للصفقة
ورغم غياب الشفافية في الإعلان الرسمي، تشير تسريبات اقتصادية إلى أن الصفقة تتضمن حوافز إضافية ممنوحة للشركة الإماراتية، مثل إعفاءات جمركية وضريبية، وامتيازات تشغيلية داخل الموانئ القريبة من موقع الجسر.
ويخشى خبراء من أن تكون الحكومة المصرية قد منحت أبوظبي موطئ قدم جديداً في إدارة الممر الملاحي الأهم في العالم مقابل سيولة مالية عاجلة تسعى القاهرة إليها في ظل أزمتها الاقتصادية الحادة.
كما أن اعتماد مصر على توريد مكونات حيوية من الخارج يعكس غياب الإرادة في تطوير صناعة وطنية قادرة على إنتاج هذه الألواح محلياً، ما يضاعف تبعية الدولة لشركاء خارجيين.
قناة السويس بين تاريخ السيادة وخطر التفريط
قناة السويس لطالما مثلت رمزاً للسيادة المصرية منذ تأميمها في عهد جمال عبد الناصر عام 1956، وكانت عنواناً لنضال الشعب المصري ضد الاستعمار والسيطرة الأجنبية. غير أن السنوات الأخيرة شهدت انحسار هذا المعنى، مع توسع الحكومة الحالية في عقد صفقات استثمارية مع أطراف خارجية، أبرزها الإمارات، تمنحها نفوذاً مباشراً في مشروعات مرتبطة بالقناة.
ويرى معارضون أن هذه السياسات تمثل تفريطاً في أهم أصول الدولة مقابل الحصول على دعم مالي قصير الأجل، في وقت تواصل فيه الحكومة المصرية الاقتراض المفرط وتوسيع الديون الخارجية.
تداعيات على الأمن القومي
المخاوف لا تتعلق بالجانب الاقتصادي فقط، بل تمتد إلى الأمن القومي المصري. فالقناة ليست مجرد مصدر دخل، بل شريان استراتيجي يربط البحرين الأحمر والمتوسط، ما يجعل أي نفوذ أجنبي داخلها مسألة حساسة للغاية.
ويؤكد خبراء أن إشراك الإمارات في مشروعات حيوية داخل القناة قد يعرض مصر لضغوط سياسية مستقبلية، ويقيد خياراتها في إدارة هذا الممر وفق مصالحها الوطنية.
خاتمة: تفريط جديد في السيادة
في النهاية، يظهر أن صفقة "إمستيل" ليست مجرد تعاون اقتصادي عابر، بل خطوة إضافية في مسار تنازل الحكومة المصرية عن أوراق سيادتها على قناة السويس.
وبينما يروّج المسؤولون للمشروع باعتباره إنجازاً تنموياً، يراه منتقدون دليلاً جديداً على أن السلطة الحالية تواصل التفريط في مقدرات البلاد، وتفتح الباب واسعاً أمام أطماع الإمارات في شواطئ القناة وممرها الملاحي الاستراتيجي.
وهكذا، بدلاً من أن تكون قناة السويس ورقة قوة لمصر، تتحول تدريجياً إلى مورد تستغله قوى إقليمية أخرى، في ظل غياب رؤية وطنية تحافظ على السيادة وتحمي حقوق الأجيال القادمة.