تشهد مصر هذه الأيام موجة حرّ قاسية تجاوزت الأربعين درجة مئوية، تزامنًا مع استمرار أزمة انقطاع الكهرباء التي عادت بشكل متكرر، لتزيد من معاناة المواطنين اليومية.

ورغم وعود حكومة السيسي المستمرة بإنهاء خطة تخفيف الأحمال هذا العام، إلا أن الأوضاع الميدانية تكشف عكس ذلك، حيث تتسع دائرة الغضب الشعبي مع تفاقم الأزمات المعيشية وضغط الحياة اليومية.

أبدى الحاج أمين محمود، الموظف المتقاعد، انزعاجًا شديدًا من انقطاع الكهرباء المتكرر في ظل الارتفاع الكبير في درجات الحرارة.

وقال: “أنا أسكن في حدائق الأهرام (جنوب القاهرة)، وقطع الكهرباء عاد مرة أخرى ولا نعرف السبب، هل سنستمر في نفس الأزمة كل سنة؟”، وفقًا لـ"الجزيرة مباشر".

وأضاف الحاج محمود “أنا كبير السن لا أتحمل قطع الكهرباء في هذا الجو الحار، وحتى الأولاد الصغار لا يتحملون، الأجهزة الكهربائية تحترق مع القطع والرجوع المفاجئ”.

وتعزو حكومة السيسي تكرار انقطاع الكهرباء في عدد من المحافظات، من بينها القاهرة والجيزة والسويس، إلى موجة الحر الشديدة التي تشهدها البلاد وارتفاع معدلات الاستهلاك، فضلًا عن الخسائر السنوية الضخمة التي يتكبدها القطاع وتُقدَّر بمليارات الجنيهات بسبب “سرقة الكهرباء” والمخالفات.

 

بين نارين

ورغم إعلان وزارة البترول والثروة المعدنية عن إعداد خطط لمواجهة الطوارئ، بما يضمن استمرار ضخ الغاز الطبيعي لتلبية الاحتياجات المتزايدة، خصوصًا مع ذروة الاستهلاك في فصل الصيف، إلا أن الواقع يضع المواطنين أمام خيارين أحلاهما مر: انقطاع الكهرباء وما يترتب عليه من توقف المياه، أو مواجهة درجات حرارة قياسية غير مسبوقة تزيد من معاناتهم اليومية.

ويشكو أحمد الليبي، الذي يعمل بأحد المقاهي في منطقة فيصل بمحافظة الجيزة، من تأثير انقطاع الكهرباء على مصدر دخله، قائلًا للجزيرة مباشر “هذا خراب بيوت، عندما تنقطع الكهرباء الزبائن يغادرون، وأما انقطاع الماء يعني توقف العمل”.

وقاطعه أحد زبائن المقهى ملتقطًا طرف الحديث، قائلًا بالعامية المصرية “معلش يا باشا، هي ليه الكهربا ما بتقطعش في الساحل الشمالي أو العلمين؟ يعني أسعار الكهرباء زادت 20 مرة، والحكومة قالت مفيش تخفيف أحمال، ولسه الحال هو الحال”.

 

استهلاك قياسي

ورغم تأكيد رئيس وزراء السيسي، مصطفى مدبولي مرارًا على أن الحكومة لن تلجأ لسياسة تخفيف الأحمال خلال الصيف الحالي، فقد أعلنت وزارة الكهرباء، في بيان أن الأحمال الكهربائية ارتفعت بمعدل 800 ميغاوات في يوم واحد، وحققت الشبكة الموحدة للكهرباء السبت الماضي أقصى ارتفاع في الأحمال عبر تاريخها.

وبلغ الاستهلاك اليومي للكهرباء في مصر رقمًا قياسيًا بلغ 38.8 ألف ميجاوات، بالمقارنة بأقصى زيادة في الأحمال العام الماضي، والتي بلغت 38 ألف ميجاوات، طبقًا لتقارير ومتابعات المركز القومي للتحكم في الطاقة.

وفي المقابل، شهدت محافظة الجيزة، ذات الكثافة السكانية العالية، خلال اليومين الماضيين أزمة مياه، إذ تسبب انقطاع الكهرباء عن محطة مياه الجيزة في توقف جزئي للمحطة، وأدى بدوره إلى ضعف إمدادات المياه أو انقطاعها عن بعض المناطق.

ويرى المهندس محمد سليم، وكيل وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة سابقًا، أن “جهود الدولة لمواجهة أعباء الاستهلاك المتنامي للكهرباء كبيرة، في ظل ارتفاعات نوعية في درجات الحرارة، التي تصل أحيانًا إلى حد 45 درجة، لكن سرقات التيار والتوصيلات المخالفة تزيد الأحمال وتكون خارجة عن حسابات العبء الكلي”.

وأضاف سليم أن شبكات توزيع الكهرباء عمومًا في مصر بحاجة إلى دعم ضخم وأنظمة تحكم حديثة يجري إنشاؤها لضمان إيجاد بدائل والتعامل مع حالات الطوارئ، كما حدث مؤخرًا في محافظة الجيزة، وفقًا لـ: "الجزيرة مباشر".

 

أسعار الكهرباء

وتنفذ الحكومة منذ عام 2016 خطة لرفع الدعم التدريجي عن أسعار شرائح الكهرباء، وفقًا لشروط واتفاقات مع صندوق النقد الدولي بشأن السلع والخدمات.

وبنهاية خطة التسعير الحالية لأسعار شرائح الاستهلاك المنزلي في شهر يوليو الجاري، تتجه الحكومة لاعتماد زيادات جديدة في الأسعار تتراوح بين 15 إلى 45% بداية من أكتوبر المقبل حسب شرائح الاستهلاك، بحسب تقارير نشرتها وسائل إعلام محلية.

وقال المهندس إبراهيم خيال، خبير قطاع الكهرباء والطاقة المتجددة “تلك الزيادات تمثل عبئًا إضافيًا على المواطنين، لكنها مفروضة على مصر، ولكن دور وزارة الكهرباء أن تضع السياسات اللازمة لتخفيف العبء على الناس”.

وأضاف “ليس دور الوزير أن يظهر في أماكن إصلاح الشبكات والأعطال لالتقاط الصور التذكارية مع العمال كما نرى، لكن دوره هو وضع الحلول قصيرة المدى والاستراتيجية لمواجهة الأحمال الزائدة، والتي تخطت بحجم الاستهلاك عتبة 39 جيجاوات”.

 

ليست استثناءات

لكن خبير الكهرباء والطاقة المتجددة محمد سليم رفض الرأي القائل إن سياسة تخفيف الأحمال تستهدف المناطق الفقيرة أو الشعبية، أو أن المناطق الراقية مثل العلمين وغيرها تُستثنى من هذه السياسة، مرجعًا سبب ذلك إلى التخطيط الجيد وبنية الطاقة الأكثر حداثة في المناطق الجديدة، وهو ما يصنع هذا الفارق.

في المقابل، يرى المهندس إبراهيم خيال أن المناطق السياحية والمصايف التي يرتادها الأغنياء تدر دخلًا للدولة، ويجب أن يُساهم ذلك في تطوير خدمات الكهرباء في المناطق الفقيرة، وليس الحل في قطع الكهرباء بتلك المناطق.

ودعا خيال إلى اللجوء لحلول استثنائية تواجه زيادة الاستهلاك، وعلى رأسها استخدام الطاقة الشمسية في تكييف الهواء، الذي لم يعد رفاهية في هذه الأجواء شديدة الحرارة، وخصوصًا مع ارتفاع تكلفة الكهرباء.

وأوضح أن تكييف الطاقة الشمسية يمثل حلًا فعالًا من حيث التكلفة مقارنةً بأنظمة التكييف التقليدية، التي تمثل نحو 65% من الاستهلاك خلال فصل الصيف، وهو يوازي في تكلفته الأولية التكييف العادي، لكنه يوفر فواتير الكهرباء.