أثار شاب يُدعى أسامة صهيون جدلاً واسعاً بعد اتهاماته لمستشفى بهية بالتحرش بأطباء الفحص المبدئي للمرضى، إضافة إلى إعطاء أدوية خاطئة أدت إلى تعجيل وفاة عدد من النساء المريضات بسرطان الثدي.
آخر هذه الإدانات جاءت في بداية سبتمبر 2025، واقعة أثارت موجة استياء وانتقادات قوية على وسائل التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام.
المستشفى، التي تأسست عام 2015 لتكون مركزاً للكشف المبكر وعلاج سرطان الثدي، تعرضت عبر السنوات لشكاوى متكررة من المرضى وذويهم حول سوء الخدمة وتكرار الأخطاء الطبية، إلى جانب اتهامات لعدد من العاملين بالتحرش الجنسي، كما فضحت تسريبات متداولة فساداً داخلياً واتهامات بسرقة التبرعات.
تكرار الشكاوى
رغم الشكاوى المتكررة والخطيرة، لم تشهد المؤسسة تحقيقات شفافة أو متابعات صارمة من الجهات المختصة، مما يثير تساؤلات عن ضعف النظام الإداري وعدم جدية التعامل مع الشكاوى.
وتعمل مستشفى بهية بشكل موسع حتى افتتحت فرعاً جديداً في الشيخ زايد بكلفة استثمارية تبلغ نحو 1.3 مليار جنيه عام 2024، الأمر الذي يطرح علامات استفهام حول أولويات الإدارة والشفافية المالية في مقابل حجم الشكاوى.
كما يوجد نظام لإدارة شكاوى المرضى، ولكن فعاليته وأسلوب تطبيقه محل نقد من البعض باعتباره غير كافٍ بسبب الخطورة والتكرار المستمر للشكاوى.
القائمون على المستشفى وعلاقتهم بالسلطة العسكرية
يقود مؤسسة بهية وإدارتها شخصيات مدنية، لكن هناك تساؤلات ملحة عن مدى تأثر المؤسسة بالهياكل العسكرية في مصر، خاصة أن القطاع الطبي الخيري يرتبط أحياناً بمصالح مرتبطة بالنظام القائم.
لا توجد معلومات رسمية واضحة تؤكد تورط جهات عسكرية في إدارة المستشفى، ولكن الاتهامات شبه رسمية تشير إلى وجود محسوبيات وفساد مالي وإداري على أعلى المستويات تتداخل فيها مصالح اقتصادية وأمنية.
كما يشير خبراء إلى أن المؤسسات الكبرى في مصر غالباً ما تشهد تأثيرات عسكرية بالسيطرة أو التداخل غير المباشر، ما قد يفسر عدم فتح تحقيقات جادة تجاه الاتهامات المتكررة.
شبهات فساد ومحسوبية في إدارة مستشفى بهية
العديد من الشهادات والتقارير التي تداولتها منصات التواصل الاجتماعي والمصادر الإعلامية تحدثت عن وجود فساد مالي وإداري داخل المؤسسة، مثل التلاعب في التبرعات، بيع علاجات وهمية، واحتكار أدوية معينة لصالح شركات مرتبطة بأشخاص داخل المؤسسة.
قال د. مصطفى كمال، أستاذ الاقتصاد، إن قضية مستشفى بهية تعد "كارثة أخلاقية قبل أن تكون مالية"، مشيراً إلى أن الفساد فيها يعكس أزمة أعمق داخل النظام الخيري والعام في مصر، مشيراً إلى أن استغلال الأوضاع الاقتصادية والسياسية لمصلحة أشخاص معينين يضر بالمرضى وبسمعة القطاع الصحي الخيري في مصر.
إحصاءات رسمية عن مستشفى بهية
- تأسست عام 2015، ويخدم المركز حوالي 213 ألف سيدة حتى الآن في فرع الهرم.
- تم استقبال نحو 2.95 مليون حالة منذ إنشاء المركز.
- شهد المستشفى 93,177 حالة علاج كيماوي، و227,354 حالة علاج إشعاعي، و16,169 عملية جراحية منذ افتتاحه.
- تكلفة إنشاء فرع الشيخ زايد وصلت إلى 1.3 مليار جنيه.
هذه الأرقام توضح حجم عمل المستشفى، لكنها أيضاً تُطرح كدليل للتشكيك في تبرير استمرارية التمويل في ظل الشكاوى والاتهامات الخطيرة.
كما أوضحت مروة مراد، مديرة تنمية الموارد المالية بالمؤسسة، وجود أزمات مالية عامة في المؤسسات الخيرية بسبب الظروف الاقتصادية الراهنة، لكنها نفت تعرض مستشفى بهية لأزمة مالية خطيرة، مؤكدة أن سياسة حفظ التبرعات تهدف للحفاظ على الاستمرارية رغم التحديات.
في المقابل، تغيب تصريحات واضحة من الحكومة أو الأجهزة الرقابية حول التحقيق في الاتهامات الخطيرة التي تواجه المستشفى.
أزمة منظومة لا واقعة معزولة
حتى لو افترضنا حسن إدارة «بهية»، تبقى المنظومة الصحية في مصر تحت ضغطٍ هيكلي، فحسب بيانات البنك الدولي بلغ الإنفاق الصحي الكلي نحو 4.6 – 4.7 % من الناتج المحلي في السنوات الأخيرة، بينما لا يتجاوز إنفاق الحكومة العام على الصحة 1.7–1.8% من الناتج؛ أي أن العبء يقع في معظمه على جيوب المواطنين، حيث تشكل النفقات الخاصة نحو 60 % من إجمالي الإنفاق الصحي مستويات تفوق المتوسط العالمي وتفاقم هشاشة الخدمة، خاصة في الأمراض المزمنة والسرطانات.
سرطان الثدي.. أرقام تُحتِّم الدقة والمسؤولية
وفق المرصد العالمي للسرطان (IARC/Globocan 2022)، يُعدّ سرطان الثدي الأكثر شيوعًا بين المصريين ASR Incidence نحو 55 لكل 100 ألف) مع معدل وفيات ملحوظ مقارنة بدول الدخل الأعلى، ما يعكس ثغرات في الكشف المبكر وسلاسل الإمداد الدوائي والعلاج الإشعاعي.
دراسات أكاديمية تشير كذلك إلى ارتفاع معدل الوفيات المعياري في مصر مقارنة بدول متقدمة بسبب الوصول المتأخر للعلاج، هذه المعطيات تجعل أي خطأ مهني إن ثبت مسألة حياة أو موت، وتعظّم واجب الشفافية.
دواء غير متوفر.. فكيف نضمن «الدواء الصحيح»؟
منذ مطلع 2024 أقرت الحكومة نفسها بـ "نقوصات دوائية عاجلة"، وشكلت لجنة لإدارتها، ثم أعلنت لاحقًا تخصيص 7 مليارات جنيه لمعالجة الفجوة.
تقارير صحفية محلية ودولية وثَّقت نقص مضادات حيوية ومسكنات وأدوية أمراض مزمنة، وأشارت تحليلات مستقلة إلى أثر تراجع العملة وصعوبات فتح الاعتمادات على استيراد المواد الخام ومستلزمات الإنتاج.
في ظل هذه البيئة، ترتفع احتمالات التبديل القسري للبدائل أو تأخر الجرعات، وهو سياق لا يبرئ أي خطأ إن وُجد، لكنه يحمّل الحكومة مسؤولية سلسلة الإمداد والرقابة.
هل هناك «علاقة بالعسكر» أو شبهات محسوبية؟
لا تتوافر حتى الآن مصادر موثوقة تؤكد رسميًا تبعية «بهية» أو إدارتها المباشرة لمؤسسة عسكرية، وما يُنشر بهذا المعنى يأتي غالبًا من منصات معارضة أو محتوى مرئي غير مدقق.
لكن هذا لا يُسقط السؤال الكبير عن توسع نفوذ الشركات والهيئات السيادية داخل قطاعات اقتصاد الدواء وهو ما أضعف التنافسية والحوكمة في تقديرات باحثين واقتصاديين، وأثار موجات احتجاج وانتقاد منذ 2019.
الحل المؤسسي: قواعد تعاقد علنية ومنافسة عادلة، وإفصاحات إلزامية لأي شراكات أو تبرعات أو منح تأتي من جهات سيادية أو تتقاطع مع المشتريات العامة.
ماذا على «بهية» والدولة فعله الآن؟
- نشر نتائج تحقيق مستقل بمشاركة نقابية وطبية حول أي واقعة بعينها، مع حماية كاملة للمبلِّغين.
- لوحة شفافية على موقع المؤسسة تتضمن: قوائم الأدوية المعتمدة، بروتوكولات العلاج، نسب توفر الأدوية شهريًا، متوسطات أزمنة الانتظار، وعدد الشكاوى المُستلمة والمُغلقة.
جدير بالذكر أن لدى المؤسسة نموذج شكاوى رسميًا لكنه يحتاج لربطه بتقارير أداء دورية منشورة.
- مسار عدلي سريع: في اتهامات التحرش ينبغي تحويل الملف مباشرةً إلى النيابة وتمكين الضحايا من الدعمين النفسي والقانوني.
- إصلاح حكومي عاجل لسلاسل الإمداد: عقود توريد مركزية للأورام، وإعفاءات مؤقتة للمدخلات، مع رقابة سعرية ذكية تمنع تعطيش السوق، والحكومة نفسها أقرت بالنقوصات ويجب أن تُحاسَب على نتائج خطة الـ 7 مليارات جنيه.