في اجتماع عُقد داخل غرفة صناعة الدواء باتحاد الصناعات المصرية، فجّر ممثلون عن نحو 100 شركة دواء مفاجأة مدوية، حين طالبوا الحكومة بالموافقة على رفع أسعار أكثر من 500 صنف دوائي بنسب تصل إلى 30%. جاء ذلك خلال اجتماع رسمي، شهد مناقشة أزمة ارتفاع تكاليف الإنتاج وانخفاض هوامش الربح في ظل تراجع سعر الجنيه وارتفاع تكلفة الخامات المستوردة. وقال مصدر مسؤول حضر الاجتماع: "إذا لم تتم زيادة الأسعار، فإن السوق سيشهد اختفاء مئات الأصناف الحيوية، ما يعني كارثة صحية كبرى."
ومن جهته أكد علي عوف، رئيس قطاع الدواء باتحاد الغرف التجارية، أن مصر تُعاني من أزمة دوائية خطيرة تتعلق بنقص بين 20 و40% من "الأسماء التجارية" الدوائية، ما يعني أن المريض يجد نفسه مضطرًا لتغيير العلاج أو الانتظار أو قبول البدائل—وكذلك أن العجز في مكونات ما يُنتج يُقدّر ما بين 15 و20% من احتياجات السوق، ما يؤدي عمليًا إلى اختفاء نحو 200 دواء من الصيدليات.
زيادة جديدة بعد موجة سابقة
المثير للغضب أن هذه المطالب تأتي بعد أشهر قليلة من زيادة أسعار الأدوية بنسب مماثلة بلغت 30%، ما جعل المرضى والمواطنين في حالة صدمة. فبعد أن اعتادوا على ارتفاع أسعار الغذاء والوقود، ها هم اليوم يواجهون ارتفاعًا جديدًا في أسعار الأدوية، التي باتت حكرًا على القادرين فقط، بينما يصرخ الفقراء في صمت، إذ لم يعد لديهم خيار سوى الاستغناء عن العلاج أو انتظار الموت.
أزمة خانقة لمرضى الأمراض المزمنة
الأكثر تضررًا من هذه الزيادات هم مرضى الأمراض المزمنة، مثل الكُلى، القلب، السكر، والسرطان، الذين يحتاجون لأدوية بشكل دوري. تقول أم أحمد، وهي سيدة خمسينية تعاني من مشاكل في القلب: "دواء الضغط كان بـ170 جنيه، بقى بـ290، وبيقضي 15 يوم فقط ولو زاد تاني يبقى نموت ونرتاح. العلاج بقى للمقتدرين، إحنا خلاص اتسحقنا."
هذه الصرخة تعكس حال ملايين المصريين الذين يعتمدون على أدوية أساسية للحياة. ومع كل زيادة، يتحول العلاج إلى حلم بعيد المنال، لتزداد طوابير الموت في المستشفيات، ويصبح الصراع بين الحياة والدواء معركة خاسرة للفقراء.
أسباب الشركات.. وخلفية الأزمة
شركات الدواء تبرر هذه المطالب بارتفاع أسعار المواد الخام المستوردة، والتي تمثل أكثر من 90% من مدخلات الإنتاج، فضلًا عن ارتفاع تكلفة الشحن، ورسوم الاستيراد، والتضخم الذي يلتهم أرباحهم. ويرى خبراء الصناعة أن الدولة لم تضع آلية واضحة للتسعير توازن بين مصالح الشركات وقدرة المواطن. وقال أحد المستثمرين المشاركين في الاجتماع: "نحن لا نريد استغلال المواطن، لكننا نعمل بالخسارة، وإذا لم ترتفع الأسعار سنغلق المصانع."
لكن هذه المبررات لا تقنع المرضى ولا الخبراء، الذين يعتبرون أن الشركات تسعى لتحقيق أرباح خيالية على حساب صحة المصريين، مستغلة غياب الرقابة الحكومية وضعف التسعير الجبري.
كارثة اجتماعية وصحية تلوح في الأفق
الخبراء يحذرون من أن أي زيادة جديدة ستدفع شريحة كبيرة من المصريين إلى العجز عن شراء الأدوية، خاصة مع تراجع الدخل، وتآكل القدرة الشرائية، وغياب التأمين الصحي الشامل. كما أن السوق السوداء ستنتعش، مع اختفاء بعض الأصناف التي سترتفع أسعارها أكثر من غيرها، ما يفتح الباب أمام الغش والتهريب.
الناشط الصحي د. محمد البرعي علق قائلًا: "الحكومة تتفرج، والشركات تضغط، والضحية هو المواطن الغلبان. لو حصلت الزيادة، يبقى بنقتل الناس بإيدينا."
الحكومة في موقف المتفرج
حتى اللحظة، لم يصدر أي تعليق رسمي من وزارة الصحة حول هذه المطالب، وسط مخاوف من خضوع الحكومة لضغوط الشركات كما حدث في مرات سابقة. وإذا وافقت الحكومة، ستشهد الأسواق خلال أسابيع موجة غلاء جديدة، تضرب ما تبقى من أمل لدى المرضى، وتطرح سؤالًا مؤلمًا: هل أصبح الدواء رفاهية في مصر؟