"البلد بقت بلا هُوية وبلا دور وبلا مكانة لا في قلوب أبنائها ولا في عقول الآخرين"، بهذه الكلمات القاسية لخص الخبير الاقتصادي والكاتب الصحفي أحمد لطفي الوضع الراهن في مصر، مضيفًا أن كل شيء يسير "بلا تخطيط وبلا دراسة وبلا قانون وبلا حياة وبلا عدالة وبلا رؤية".
تدوينة لطفي ليست مجرد انفعال عابر، بل انعكاس لحالة عامة من الإحباط لدى قطاعات واسعة من المصريين الذين يرون أن الدولة تسير في طريق فقدان البوصلة، وسط سياسات اقتصادية مرتبكة، وأزمات متلاحقة تمس حياة المواطن اليومية.
اقتصاد بلا خطة ورؤية غائبة
التصريحات الرسمية تتحدث عن إنجازات ومشروعات قومية كبرى، لكن الأرقام على الأرض تحكي قصة أخرى: تضخم تجاوز 35%، انهيار في قيمة الجنيه أمام الدولار، وارتفاع أسعار السلع الأساسية إلى مستويات غير مسبوقة.
في ظل هذه الأوضاع، يرى خبراء أن غياب التخطيط الاستراتيجي هو السبب الرئيسي في تعميق الأزمة.
لطفي أشار بوضوح إلى أن "كل شيء يسير ضد رغبات الناس وضد طموحاتهم"، في إشارة إلى السياسات الاقتصادية التي أرهقت الفقراء وأحكمت الخناق على الطبقة الوسطى، بينما فتحت الأبواب على مصراعيها أمام الديون الخارجية التي بلغت أكثر من 165 مليار دولار، دون أن تنعكس في شكل تحسينات حقيقية في مستوى معيشة المواطن.
الهوية الوطنية بين التآكل وفقدان المعنى
أخطر ما جاء في تدوينة أحمد لطفي هو قوله: "البلد بقت بلا معنى"، وهي عبارة تحمل دلالات عميقة. فبينما تتحدث الحكومة عن الحفاظ على الأمن والاستقرار، يشعر المواطن أن البلد فقدت دورها التاريخي كقوة إقليمية مؤثرة، وأصبحت مجرد تابع للسياسات الخارجية، تبحث عن دعم مالي في عواصم الخليج أو قروض مشروطة من صندوق النقد الدولي.
هذا الفراغ في الدور الإقليمي يقابله فراغ آخر في الداخل، حيث تتقلص مساحات الحرية، وتغيب العدالة الاجتماعية، ويُصادر المستقبل لصالح مشروعات عملاقة لا يعرف المواطن جدواها، مثل العاصمة الإدارية الجديدة التي ابتلعت مليارات الدولارات، في وقت تعاني فيه المستشفيات من نقص الأدوية والمدارس من انهيار البنية التحتية.
حياة الناس بين الفقر والإحباط
الواقع اليومي للمواطن المصري لا يختلف كثيرًا عن الصورة القاتمة التي رسمها لطفي.
أسعار الغذاء وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، البطالة بين الشباب في تزايد، والقطاع الخاص يواجه ضغوطًا خانقة بسبب هيمنة الجيش على مفاصل الاقتصاد، ما جعل المستثمرين المحليين والأجانب يهربون من السوق.
وفي الوقت الذي يطالب فيه المواطن بحلول عملية لأزماته المعيشية، تصر الحكومة على سياسة "الجباية"، عبر فرض المزيد من الضرائب والرسوم، ما يضاعف الأعباء على الأسر التي باتت عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية.
إلى أين تتجه البلاد؟
السؤال الذي يطرحه أحمد لطفي في تدوينته بشكل غير مباشر: هل يمكن لبلد "بلا رؤية" أن ينهض؟
الإجابة تبدو صعبة في ظل غياب أي مؤشرات على تغيير حقيقي في السياسات، أو انفتاح سياسي يتيح للمجتمع المشاركة في صناعة القرار.
بل إن الوضع يتجه نحو مزيد من التقييد والسيطرة، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى عقلانية اقتصادية، وخطة واضحة لإعادة بناء الثقة بين الدولة والمواطن.
ختامًا، تحذيرات الخبراء مثل أحمد لطفي يجب أن تؤخذ بجدية قبل أن تصل مصر إلى مرحلة يصعب معها الإنقاذ.
فالبلد التي "بقت بلا معنى" كما قال، تحتاج قبل كل شيء إلى استعادة هويتها، وإعادة بناء مؤسساتها على أساس العدالة والقانون، وإطلاق طاقات شعبها المكبوتة بدلًا من قمعها.
وإلا سيظل الحاضر يهدم والمستقبل يُصادر، تمامًا كما وصف لطفي في كلماته المؤلمة.