تتصاعد أزمة الدواء في مصر لتتحول إلى كابوس يلاحق ملايين المرضى، خاصة أصحاب الأمراض المزمنة مثل الفشل الكلوي، والسكري، وأمراض القلب.
في الوقت الذي تتحدث فيه الحكومة عن خطط للإصلاح الصحي، يعيش المواطنون معاناة يومية بسبب غلاء الأدوية واختفائها من الأسواق.
الصرخات تتعالى من كل مكان، والواقع يطرح سؤالًا مؤلمًا: هل أصبح الحق في العلاج رفاهية؟
 

أزمة الأسعار ونقص الدواء
شهدت أسعار الأدوية ارتفاعات غير مسبوقة خلال الأشهر الماضية، لتصل بعض الأصناف إلى ضعف سعرها الأصلي، في وقت تعاني فيه الصيدليات من نقص حاد في أدوية حيوية، أبرزها أدوية الكلى والأنسولين وأدوية القلب.

تقارير نقابية كشفت أن النقص يشمل أكثر من 150 صنفًا دوائيًا، بعضها لا بديل له في السوق، وهو ما يضاعف من معاناة المرضى.
ويؤكد صيادلة أن الأزمة ليست وليدة اللحظة، بل نتيجة سياسات تسعير غير واضحة، وغياب رقابة حقيقية على شركات الأدوية والموزعين.

رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية المصرية، علي عوف، أكد في تصريحات مسجلة نقص 200 نوع من الأدوية المزمنة والتي ليس لها بدائل بالصيدليات ما يمثل ثلث ما يبحث عنه المرضى، مؤكدا أن نحو 100 شركة محلية وأجنبية في مصر طلبت رفع أسعار 500 صنف دواء.

 

 

صرخات المرضى وأهاليهم
"بندور على الأنسولين كأننا بندور على ذهب!"، بهذه العبارة المؤلمة عبرت سيدة مسنة عن معاناتها في رحلة البحث عن جرعات الأنسولين لابنها.

أما الحاج عبدالعزيز، مريض بالفشل الكلوي، فيقول: "جلسات الغسيل بقت أزمة في المستشفيات، والدواء اللي بيدينا فرصة نعيش مش موجود، ولو لقيته بيدبل السعر".

هذه الصرخات تتكرر في كل مكان، وتكشف أن المواطن المصري أصبح عالقًا بين مطرقة الغلاء وسندان نقص الأدوية، في ظل غياب تدخل حاسم من الدولة.
 

آراء الخبراء وتحليل الأزمة
يرى خبراء الصحة أن الأزمة تعود لعدة أسباب، أبرزها تحرير سعر صرف الجنيه الذي أدى إلى ارتفاع تكلفة استيراد المواد الخام، إلى جانب اعتماد مصر بشكل شبه كامل على الاستيراد لتغطية احتياجاتها الدوائية.

الدكتور محمد حسن، خبير الاقتصاد الصحي، أكد أن "شركات الأدوية تسعى لتعويض خسائرها برفع الأسعار، في غياب آلية عادلة لحماية المواطن"، مشيرًا إلى أن الحل يكمن في تشجيع التصنيع المحلي وزيادة الرقابة على التوزيع.
أما الدكتور أحمد السقا، أستاذ أمراض القلب، فحذر من أن "اختفاء أدوية القلب والضغط قد يؤدي إلى ارتفاع معدلات الوفاة، لأن المرضى لا يمكنهم الانتظار".


 

 

دور الحكومة ومطالب الإصلاح
ورغم وعود وزارة الصحة بحل الأزمة، إلا أن الإجراءات على الأرض لا تزال بطيئة، فيما يرى البعض أن هناك تقاعسًا واضحًا في إلزام شركات الأدوية بتوفير الأصناف الأساسية.

نقابة الصيادلة طالبت الحكومة بتفعيل خطط إنتاج بدائل محلية، وتوفير مخزون استراتيجي للأدوية الحيوية، محذرة من كارثة صحية إذا استمر الوضع على ما هو عليه.
من جانب آخر، يقترح خبراء الاقتصاد الصحي وضع آلية تسعير عادلة توازن بين مصلحة الشركات وقدرة المواطن، مع ضرورة دعم الأدوية الأساسية، مثلما تفعل الدول التي تحترم حق الإنسان في العلاج.

وأخيرا فأزمة نقص الدواء ليست مجرد خبر عابر، بل قضية حياة أو موت لملايين المصريين.
فحين يصبح الحصول على الأنسولين معركة، وعقار الضغط رفاهية، فإننا أمام كارثة إنسانية تستدعي تحركًا عاجلًا.
إن الحق في الدواء ليس رفاهية ولا منحة من أحد، بل هو حق دستوري يجب أن تصونه الدولة بكل ما تملك من أدوات.
وإلا فإن الأزمات القادمة ستكون أشد قسوة، وسيظل المرضى يدفعون الثمن من صحتهم وربما من حياتهم.