تعيش الساحة الفنية المصرية حالة من الفوضى غير المسبوقة، بعدما تحوّل التمثيل من رسالة فنية إلى "سبوبة" مربحة، وسط اتهامات لشركات الإنتاج الكبرى بأنها تكرّس هذا الواقع عبر احتكار الأعمال وتسليع الموهبة.

أحدث حلقات هذه الفوضى جاءت في صورة تحذير شديد اللهجة من نقابة المهن التمثيلية، بعد انتشار أخبار عن اختبارات وهمية باسم مسلسل "الاختيار 4"، حيث استغل بعض الأشخاص اسم العمل للنصب على الفنانين الشباب مقابل وعود كاذبة بالمشاركة في المسلسل.
وبينما سارعت الشركة المنتجة "سينرجي" إلى نفي أي علاقة لها بما جرى، يظل السؤال: هل هي بريئة بالفعل، أم أن بيئة الاحتكار وغياب الشفافية صنعت هذه الثغرات؟
 

تحذير النقابة وتفاصيل الأزمة
نقابة المهن التمثيلية أصدرت بيانًا رسميًا حذّرت فيه من محاولات نصب تستهدف الفنانين الشباب، مؤكدة أن ما يتم ترويجه عبر مواقع التواصل الاجتماعي بشأن اختبارات أداء تخص الجزء الرابع من مسلسل "الاختيار" غير صحيح على الإطلاق.

وأصدرت نقابة المهن التمثيلية في مصر برئاسة الفنان أشرف زكي، بيانا حذّرت فيه من محاولات بعض الأشخاص استغلال اسم مسلسل «الاختيار 4» للنصب على الفنانين الشباب والهواة الطامحين لدخول المجال الفني.

وأكدت النقابة أنها لم تفوض أي شخص أو جهة بإجراء ترشيحات أو اختبارات تخص العمل، مشددة على أن ما يتم الترويج له عبر وسائل التواصل أو المكالمات الهاتفية بشأن طلب مبالغ مالية مقابل المشاركة في المسلسل هو «ادعاءات عارية تماما من الصحة».

وأضاف البيان أن النقابة تواصلت مع الشركة المنتجة للعمل، التي أكدت بدورها أن أي خطوات إنتاجية أو إعلانات رسمية تخص المسلسل تصدر فقط عبر منصاتها الرسمية، وألا علاقة لها بما يُتداول من إعلانات أو دعوات «كاستينغ» مزعومة.
ودعت النقابة الفنانين والهواة إلى عدم الانسياق وراء محاولات النصب، مطالبة بالإبلاغ الفوري عن أي تجاوزات تتم تحت اسم المسلسل أو النقابة، مؤكدة أنها ستلاحق قانونيا كل من يسيء استخدام اسم «الاختيار 4» أو الأعمال الوطنية الكبرى.
 

نفي "سينرجي" تحت المجهر:
ورغم النفي الرسمي من شركة "سينرجي" المنتجة للعمل، يرى مراقبون أن هذا النفي لا يعفي الشركة من المسؤولية الأخلاقية والمهنية، خاصة في ظل الانتقادات المتكررة التي تطال صناعة الدراما المصرية، حيث يعتبرها البعض "سبوبة" ومجالًا لتضخيم الأجور على حساب الجودة والمحتوى.
ويؤكد خبراء أن غياب الشفافية في إدارة الكاستينج وتضارب المعلومات حول آليات اختيار الممثلين يفتح الباب أمام مثل هذه الجرائم.
فالشركة التي تهيمن على الإنتاج الدرامي في مصر، وفق اتهامات كثيرة، تسعى للربح قبل الفن، ما يجعل الاتهامات التي تطالها بشأن التواطؤ أو الإهمال في التصدي لمحاولات النصب محل شك مشروع لدى كثير من الفنانين الشباب.
 

شهادات من الوسط الفني
عدد من الفنانين الشباب تحدثوا عن معاناتهم في الحصول على فرص حقيقية، في ظل غياب آلية شفافة لاختيار المواهب.
الممثلة الشابة "سارة.م" قالت: "أصبح حلم التمثيل كابوسًا، فإما أن تكون لديك واسطة أو تدفع مبالغ مالية لتدخل اختبارات مشبوهة".
فيما أشار المخرج المستقل أحمد عادل إلى أن "البيئة الحالية تحتكرها شركات معينة، ولا مكان للمواهب الجديدة إلا إذا كانت جزءًا من منظومة مغلقة".
هذه التصريحات تكشف حجم الإحباط الذي يعيشه المبدعون الشباب، الذين يجدون أنفسهم بين مطرقة النصب وسندان الاحتكار.
 

آراء الخبراء وتحليل الأزمة
الناقد الفني طارق الشناوي علّق قائلًا: "ما يحدث في الوسط الفني نتيجة طبيعية لاحتكار الإنتاج، فالاحتكار يقتل التنافس ويخلق سوقًا سوداء للمواهب".
بينما يرى الإعلامي والناقد جمال بخيت أن "ظاهرة النصب ستتكرر طالما غابت الشفافية، وطالما أصبحت الدراما مجرد تجارة هدفها الربح، وليست صناعة تحمل رسالة".

خبراء آخرون أشاروا إلى أن غياب دور الدولة في وضع ضوابط صارمة على سوق الإنتاج الفني، وتركه في أيدي شركات تتحكم في كل شيء، جعل التمثيل أقرب إلى مجال استثماري لا يهمه سوى المكاسب.

وفي النهاية فإن أزمة النصب باسم مسلسل "الاختيار" ليست حادثة معزولة، بل هي انعكاس لخلل عميق في منظومة الإنتاج الفني بمصر.
فحين تتحول الدراما إلى مشروع تجاري بحت، وتُهمَّش المواهب لصالح العلاقات والمصالح، يصبح الوسط الفني مرتعًا للفوضى والاستغلال. النفي وحده لا يكفي، ولا بد من محاسبة حقيقية تردع كل من يعبث بأحلام الشباب.
فالفن رسالة، لا "سبوبة" تُباع وتُشترى، لكن يبدو أن هذه الرسالة ضاعت في زمن الاحتكار و"الصفقات الكبرى" التي تحكمها شركات لا ترى في الإبداع سوى أرقام في دفاتر الأرباح.