في خطوة جديدة تثير الجدل وتكشف عن استمرار سياسة عسكرة كل شيء في مصر، أعلنت الأكاديمية العسكرية عن تنظيم دورة تدريبية متقدمة للأطباء تحت شعار تطوير الرعاية الطبية.
الخطوة التي تبدو في ظاهرها تطويرًا للمهنة، تحمل في باطنها أهدافًا أخرى أخطر، أبرزها تحويل مهنة الطب إلى مجال يخضع لسيطرة الجيش، مثلما حدث مع الإعلام، الأوقاف، وحتى الفنون.
السؤال الذي يطرح نفسه: هل أصبحت كل نقابة وكل تخصص في مصر تحت يد العسكر؟
الغريب في المشهد أنه يثير السخرية والجدل، فإطلاق دورات تدريبية للأطباء تحت شعار تطوير الرعاية الصحية، مفارقة صادمة حيث أن من يدير هذه الدورات ويشرف عليها ضباط لا علاقة لهم بالطب، حصلوا ربما على 50% في دراستهم، ليقوموا اليوم بتدريب أطباء حصلوا على 99% ودخلوا أرقى كليات القمة بجهدهم وكفاحهم العلمي.
هذا المشهد يعكس بوضوح سياسة السيسي في إذلال الكفاءات وتحويل الدولة إلى معسكر كبير، حيث لا مكان للعلم أو النقابات المهنية، بل فقط لسطوة العسكر وسبوباتهم التي لا تنتهي.
عسكرة الطب تحت ستار التطوير
الأكاديمية العسكرية لم تكتفِ بتدريب الضباط، بل اقتحمت مجالات مدنية بالكامل، وهذه المرة تستهدف الأطباء.
وفقًا للإعلان، الدورة مخصصة لـ"تطوير مهارات الأطباء في الرعاية الصحية"، مع منحهم شهادة تخصصية معتمدة بعد اجتياز الدورة.
لكن الخبراء يؤكدون أن الهدف ليس تطوير المهنة، بل فرض وصاية عسكرية على الأطباء، وإدخالهم تحت طائلة السيطرة الأمنية، بحيث يصبح الجيش اللاعب الأساسي حتى في القطاع الصحي، مثلما حدث مع قطاع المقاولات والدواء.
تاريخ من الدورات المثيرة للسخرية
هذه ليست المرة الأولى التي تنظم فيها الأكاديمية العسكرية مثل هذه الدورات.
على مدار السنوات الماضية، شاهدنا برامج تدريبية تشمل الأئمة والدعاة، الكمسارية، المعلمين، الإعلاميين، بل وحتى الفنانين.
الفكرة واحدة: تحويل كل مهنة إلى أداة للدولة العسكرية، وإخضاع كل فئة للتوجيهات القادمة من المؤسسة العسكرية، بعيدًا عن التخصص والعلوم المدنية التي يفترض أن تكون المرجعية الأساسية.
انتقادات من خبراء ونقابيين
الخبير الصحي الدكتور محمد حسين يرى أن هذه الدورات "ليست سوى محاولة لإيجاد قناة جديدة لتجنيد ولاء الأطباء للنظام".
بينما أكد الناشط النقابي هشام فاروق أن "النقابة يجب أن تكون هي الجهة المسؤولة عن تطوير المهنة، وليس الأكاديمية العسكرية".
وأضاف: "الأطباء في مصر يعانون من تدني الرواتب، ونقص المستلزمات، وهجرة الكفاءات، فهل الحل أن نرسلهم إلى العسكر بدلاً من تحسين المنظومة الصحية؟".
سبوبة جديدة أم خطة محكمة؟
المراقبون يصفون ما يحدث بأنه سبوبة ضخمة، حيث يدفع الأطباء مبالغ طائلة لحضور الدورة والحصول على شهادة، بينما تذهب العوائد لصالح جهة عسكرية لا علاقة لها بالقطاع الطبي.
هذا في الوقت الذي يعاني فيه المواطن من نقص الدواء وتدهور الخدمة الطبية في المستشفيات الحكومية.
البعض يطرح تساؤلاً ساخرًا: "بعدما درّبوا الشيوخ والفنانين، الدور على الأطباء.. فمتى يدربون الشعب كله في معسكرات الطاعة؟".
وأخيرا فما يحدث اليوم ليس مجرد دورة تدريبية، بل خطوة جديدة في مشروع عسكرة الدولة المصرية، حيث لم يتبقَ مجال لم تطاله يد السيسي وجنرالاته.
الطب الذي يقوم على العلم والبحث أصبح اليوم جزءًا من معسكرات الجيش، والنقابات التي كانت تحمي المهنة أصبحت بلا سلطة أمام سيطرة العسكر.
النتيجة واضحة: تراجع الكفاءة، هجرة العقول، وانهيار الخدمات الصحية، مقابل سبوبات جديدة تملأ جيوب المؤسسة العسكرية.