شهد العالم اليوم الأحد انطلاق أولى مجموعات قوارب أسطول الصمود العالمي من مدينة برشلونة الإسبانية في اتجاه شواطئ قطاع غزة، في خطوة تهدف إلى كسر الحصار الإسرائيلي المفروض منذ عام 2007، وإيصال مساعدات إنسانية وطبية عاجلة للسكان الذين يواجهون واحدة من أشد الكوارث الإنسانية في العصر الحديث.
ومن المقرر أن تنطلق المجموعة الثانية بعد أربعة أيام من تونس وموانئ أخرى، على أن تلتقي جميع القوارب في قلب البحر الأبيض المتوسط قبل أن تبحر معًا نحو القطاع المحاصر.
ووفق اللجنة الدولية لكسر الحصار عن غزة، يُعدّ هذا التحرك "أكبر بعثة مدنية منذ عام 2007 تبحر لتحدي الحصار غير القانوني الذي تفرضه إسرائيل على غزة"، مشيرةً إلى أنّ الأسطول يهدف إلى لفت انتباه المجتمع الدولي إلى الجرائم التي يرتكبها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها الإبادة الجماعية والتجويع الممنهج، الذي تحوّل إلى سلاح موت يستخدم ضد المدنيين.
مشاركة واسعة ورسالة إنسانية قوية
يتكون أسطول الصمود من عشرات السفن المحمّلة بمساعدات إنسانية وطبية، بالإضافة إلى شخصيات عامة ومؤثرة معروفة بدعمها لنضال الشعب الفلسطيني.
وتشارك في هذه المبادرة ثلاثة تنظيمات دولية رئيسية تمثل أكثر من 44 دولة، اجتمعت الشهر الماضي في تونس، وأعلنت إطلاق هذه الخطوة كجزء من تحركاتها العالمية.
المنسق التركي في الأسطول، حسين دورماز، كشف أنّ عدد المتقدمين للمشاركة بلغ نحو 500 ألف شخص في إقبال غير مسبوق، في حين جرى اختيار النشطاء عبر لجان وطنية في كل دولة بالتنسيق مع اللجنة الدولية لكسر الحصار.
وحذّر دورماز من أن اعتراض إسرائيل للأسطول سيكون عنيفًا، متوقعًا أن تلجأ قوات الاحتلال إلى محاولات إذلال المشاركين واتهامهم بالإرهاب، وهو ما دفع المنظمين لتدريب النشطاء نفسيًا وإعلاميًا على مواجهة الاستفزازات الإسرائيلية، والتصدي لآلة التضليل الإعلامي التي يعتمدها الاحتلال.
خلفية تاريخية: من مافي مرمرة إلى أسطول الصمود
يمثل أسطول الصمود امتدادًا لتحالف أسطول الحرية الذي تأسس عام 2010، عندما نظمت منظمات دولية أول محاولة كبيرة لكسر الحصار، عبر سفينة مافي مرمرة التركية التي تعرضت لهجوم دموي من البحرية الإسرائيلية، ما أدى إلى استشهاد 10 متضامنين وإصابة العشرات.
منذ ذلك الحين، تكررت المحاولات، لكن قوات الاحتلال اعترضت معظمها بالقوة.
ففي مايو/أيار الماضي، هاجمت إسرائيل سفينة "الضمير" بمسيّرتين قرب مالطا، وفي يونيو/حزيران اعترضت السفينة "مادلين" بعد مغادرتها صقلية، واعتقلت النشطاء على متنها.
المصير نفسه واجهته سفينة "حنظلة" مؤخرًا، ما يؤكد استمرار الاحتلال في تحدي القوانين الدولية.
صرخة في وجه الصمت الدولي
اللجنة الدولية لكسر الحصار شددت على أنّ هذه المبادرة ليست مجرد عمل رمزي، بل هي رسالة قوية للعالم بأن إرادة الشعوب الحرة لا يمكن أن تُقهر، وأن الحصار المفروض على غزة جريمة ضد الإنسانية.
وجاء في بيان اللجنة: "في الوقت الذي يعاني فيه الفلسطينيون من أبشع جرائم القرن، يصبح كسر الحصار أولوية قصوى للشعوب الحرة وحركات التضامن، خصوصًا في ظل تواطؤ المجتمع الدولي وصمته المخزي".
من جهته، قال رئيس اللجنة الدولية لكسر الحصار زاهر بيراوي: "كل سفينة في أسطول الصمود تحمل رسالة واضحة: إرادة الشعب لا يمكن حصارها، وهذه ليست مجرد رحلة بحرية، بل فعل مقاوم يكسر جدار الصمت ويكشف جرائم الاحتلال".
رمزية التحرك وتحدياته
إطلاق هذا الأسطول في هذا التوقيت يحمل أبعادًا سياسية وإنسانية كبرى، فهو يأتي في ظل استمرار العدوان على غزة وتجويع سكانها، ما يجعل القضية الفلسطينية في صدارة المشهد العالمي مرة أخرى.
لكن التحديات أمام هذا التحرك تبقى كبيرة، في ظل توقعات بأن تعترض إسرائيل هذه القوافل بالقوة، ما قد يؤدي إلى مواجهة بحرية جديدة تذكّر بمأساة "مافي مرمرة".
رغم ذلك، يصرّ منظمو الأسطول على أن هذه المبادرة هي صرخة أمل لغزة المحاصرة، ورسالة للعالم بأن الشعوب الحرة لن تقف مكتوفة الأيدي أمام الإبادة الجماعية والتجويع الممنهج.