في مشهد يعكس عمق الشرخ داخل المجتمع الإسرائيلي، كشفت صحيفة معاريف في استطلاع حديث أن 49% من الإسرائيليين يرون أن حكومة نتنياهو غير مبالية بإرادة الشعب ومصير المختطفين لدى المقاومة الفلسطينية، مقابل نسبة أقل ترى أن الحكومة تبذل الجهود الممكنة.
هذه النتيجة ليست مجرد رقم؛ بل هي مؤشر على أزمة قيادة تهدد تماسك المؤسسة السياسية والعسكرية في تل أبيب، في وقت تمسك فيه المقاومة بخيوط معادلة الحرب والردع، مستفيدة من تناقضات العدو وخياراته المحدودة.
المقاومة: من الدفاع إلى فرض المعادلة
منذ الساعات الأولى للحرب، نجحت المقاومة الفلسطينية في الانتقال من وضعية الدفاع إلى رسم قواعد اشتباك جديدة. لم يعد الأمر يتعلق بصد هجوم إسرائيلي أو الرد على اغتيال، بل بفرض شروط استراتيجية على الطاولة:
- المعادلة الأولى: لن يكون هناك إفراج عن الأسرى الإسرائيليين دون ثمن سياسي وعسكري كبير، يشمل وقف العدوان ورفع الحصار.
- المعادلة الثانية: كل يوم يمر من دون اتفاق يعني مزيدًا من الضغط الداخلي على حكومة الاحتلال، ومزيدًا من الاستنزاف في الجبهات المختلفة.
تحليل خبراء عسكريين يؤكد أن المقاومة تدير المفاوضات غير المباشرة بذكاء؛ فهي تعلم أن ملف المختطفين يمثل نقطة ضعف عميقة في الوعي الإسرائيلي، وأن الرأي العام هناك لم يعد قادرًا على تحمّل صور الأسرى ورسائل عائلاتهم التي تفضح فشل نتنياهو وفريقه.
نتنياهو… بين البقاء السياسي وحياة الأسرى
بحسب مراقبين إسرائيليين، يتعامل نتنياهو مع ملف الأسرى ببراغماتية باردة، حيث يسعى لتأجيل أي صفقة كبيرة قبل ضمان بقائه في الحكم، حتى لو كان الثمن مزيدًا من المعاناة للمختطفين وعائلاتهم.
الصحافة العبرية نفسها تساءلت: هل أصبح الرهان على استمرار الحرب جزءًا من أجندة نتنياهو للهروب من المحاكمة والانهيار السياسي؟
التسريبات الأخيرة من أوساط التفاوض تكشف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يرفض تقديم تنازلات كبيرة، حتى مع تحذيرات المؤسسة الأمنية من خطورة ترك الأسرى لفترة أطول لدى المقاومة.
هذه السياسة تثير غضب الشارع، وتدفع عائلات الأسرى للخروج في مظاهرات تطالب بـ«صفقة بأي ثمن»، ما يضاعف الضغط على الحكومة التي تعيش مأزقًا داخليًا غير مسبوق.
تراجع الثقة وانقسام الجبهة الداخلية
استطلاع معاريف ليس معزولًا عن موجة الغضب المتصاعدة في إسرائيل. نسبة 49% التي ترى الحكومة غير مبالية تعني أن نصف المجتمع تقريبًا فقد ثقته في القيادة السياسية، فيما تتصاعد الاتهامات لنتنياهو بالتلاعب بمصير الأسرى لتحقيق مكاسب سياسية.
في المقابل، تبرز المقاومة كلاعب أساسي في المعادلة، فهي تدرك أن أي انقسام داخلي إسرائيلي يصب في صالحها، وأن الوقت يعمل لصالحها لا ضدها، طالما أن الاحتلال عاجز عن حسم المعركة برًا، وعاجز عن حماية جبهته الداخلية من الانهيار النفسي والمعنوي.
واليوم، وبعد مرور شهور من العدوان، يقر محللون إسرائيليون بأن المقاومة نجحت في تحقيق ما عجزت عنه حركات التحرر سابقًا: فرض معادلة الردع على دولة مدججة بالسلاح النووي والدعم الغربي.
الخلاصة: معركة الإرادات
بينما ينشغل نتنياهو بتثبيت بقائه السياسي وسط عواصف القضاء والاحتجاجات، تواصل المقاومة تعزيز موقعها في المعادلة.
استطلاع معاريف ليس مجرد خبر عابر، بل شهادة على فشل إستراتيجي لحكومة الاحتلال، وانتصار نسبي للمقاومة التي تمسك بزمام المبادرة.
في النهاية، يظل السؤال مفتوحًا: إلى متى يستطيع نتنياهو اللعب بورقة الأسرى قبل أن تنفجر الأزمة في وجهه؟
الجواب قد تحدده صواريخ المقاومة بقدر ما تحدده ضغوط الشارع الإسرائيلي الذي بدأ يفقد صبره.