في ظل تصاعد الجرائم الإسرائيلية ضد المدنيين في قطاع غزة واستمرار العمليات العسكرية التي خلفت آلاف القتلى والجرحى، تتزايد الأصوات الدولية المطالبة بوقف العدوان واتخاذ خطوات عملية لحماية الفلسطينيين.
وفي هذا السياق، برز موقفان أوروبيان لافتان: أيرلندا التي دعت إلى تشكيل قوة أممية لحماية المدنيين في غزة، والنرويج التي شددت على ضرورة مواجهة السياسات الإسرائيلية بشكل حازم.
دعوة أيرلندا: قوة أممية لحماية المدنيين
وزير الخارجية الأيرلندي أعلن خلال جلسة مخصصة لمناقشة الوضع الإنساني في غزة أن بلاده ترى ضرورة إرسال قوة حماية تابعة للأمم المتحدة إلى القطاع، تكون مهمتها الأساسية تأمين المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن وسلس.
وجاءت هذه الدعوة في ظل تقارير أممية وصحفية تؤكد أن الوضع في غزة بلغ مستويات كارثية مع انهيار المنظومة الصحية ونقص حاد في الغذاء والمياه والدواء.
أيرلندا لطالما عُرفت بمواقفها المؤيدة للحقوق الفلسطينية، إذ كانت من أوائل الدول الأوروبية التي انتقدت بشكل علني الاستيطان الإسرائيلي واعتبرته انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي.
واليوم، تؤكد دبلن أن الاكتفاء ببيانات الإدانة لم يعد مجديًا، وأن المجتمع الدولي بحاجة إلى آلية حماية فعلية على الأرض.
النرويج: مواجهة السياسات الإسرائيلية واجب دولي
من جهتها، أكدت النرويج على لسان وزير خارجيتها أن ما يحدث في غزة ليس مجرد نزاع عابر، بل نتيجة لسياسات إسرائيلية ممنهجة تقوم على الحصار والتهجير والاعتداء المستمر على المدنيين.
وطالبت أوسلو الدول الأوروبية والمجتمع الدولي بـ التحرك الجاد لوقف هذه السياسات، معتبرة أن الصمت الدولي يشكل تواطؤًا غير مباشر مع الانتهاكات الإسرائيلية.
النرويج، التي لعبت تاريخيًا دور الوسيط في مفاوضات السلام الفلسطينية – الإسرائيلية، ترى أن العودة إلى مسار التسوية باتت شبه مستحيلة في ظل تمادي الاحتلال في سياساته العدوانية.
كما حذرت من أن استمرار الوضع الحالي سيقود إلى تفجر الأوضاع في المنطقة بأكملها، مع ما يحمله ذلك من مخاطر أمنية وإنسانية.
خلفية الأزمة الإنسانية في غزة
منذ اندلاع العدوان الأخير، تجاوز عدد الضحايا في غزة عشرات الآلاف بين قتيل وجريح، فيما يعيش أكثر من مليوني فلسطيني تحت حصار خانق أدى إلى انهيار الخدمات الأساسية بشكل شبه كامل.
تقارير الأمم المتحدة تشير إلى أن 80% من سكان القطاع أصبحوا بلا مأوى، في حين أن المستشفيات تعمل بأقل من 10% من طاقتها.
إسرائيل تبرر هذه العمليات بأنها جزء من حربها على حماس، لكن منظمات حقوقية دولية تؤكد أن الاستهداف الممنهج للبنية التحتية المدنية يشكل جريمة حرب وفق القانون الدولي.
وقد دفع ذلك بعض الدول إلى التحرك في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة لمحاولة فرض وقف إطلاق النار، لكن الانقسامات الدولية والفيتو الأمريكي يعطلان أي قرارات ملزمة.
الدلالات السياسية للموقفين الأيرلندي والنرويجي
الموقف الأيرلندي بالنظر إلى قوته الرمزية، يعبّر عن تحول في خطاب بعض الدول الأوروبية التي لم تعد تكتفي بالدعوات النظرية لوقف القتال، بل باتت تطالب بإجراءات تنفيذية على الأرض.
أما الموقف النرويجي فيحمل أهمية خاصة كونه يأتي من دولة لعبت دورًا محوريًا في عملية السلام عبر اتفاق أوسلو في التسعينيات، ما يعني أن صبر الوسطاء التقليديين بدأ ينفد أمام السياسات الإسرائيلية التصعيدية.
يرى محللون أن هذه المواقف، رغم أهميتها السياسية والأخلاقية، لن تكون كافية دون توافق أوسع داخل الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي للضغط على إسرائيل.
لكن في المقابل، يمكن أن تشكل خطوة أولية نحو تحرك أممي أوسع إذا ما انضمت إليها دول أخرى تشعر بضغط الرأي العام المتعاطف مع غزة.
خاتمة: نحو تحرك دولي أم مزيد من الصمت؟
السؤال الذي يطرحه المراقبون اليوم: هل تتحول هذه الدعوات إلى قرارات عملية، أم ستظل في إطار التصريحات؟
المؤكد أن استمرار المأساة في غزة سيجعل من الصعب على المجتمع الدولي التذرع بالحياد، خاصة مع تنامي المطالب الشعبية في أوروبا بضرورة وقف جرائم الحرب ومحاسبة المسؤولين عنها.