زيارة محمد بن زايد لمصر، والتي جاءت بعد ساعات فقط من عودة السيسي من السعودية، ليست حدثًا عابرًا أو مجرد لقاء أخوي كما تروج البيانات الرسمية. المشهد يعكس واقعًا جديدًا بات واضحًا: القاهرة لم تعد تتحرك بحرية في سياستها الإقليمية، بل باتت مرتهنة لمعادلات الدعم الخليجي، خاصة من الرياض وأبوظبي.
استقبال السيسي لمحمد بن زايد في العلمين، المدينة التي تحولت إلى منصة للترويج لمشاريع عقارية في وقت تعاني فيه مصر من أزمة اقتصادية خانقة، يظهر أن السلطة المصرية تحاول تقديم صورة وهمية للتنمية، بينما الحقيقة أن الحوار يدور حول المال والدعم أكثر من أي ملفات أخرى.
التوقيت يكشف عمق الأزمة المصرية
التحركات الدبلوماسية المتسارعة من السيسي نحو الخليج تكشف حجم الورطة التي تواجهها السلطة في الداخل. الدين الخارجي يتجاوز الأرقام القياسية، والجنيه المصري ينهار، والمواطنون يئنّون تحت وطأة التضخم، وفي المقابل الحل الوحيد الذي تلجأ إليه السلطة هو استجداء الدعم من الحلفاء الخليجيين.
زيارة السعودية ثم الإمارات خلال أقل من أسبوع تعني أن النظام المصري في سباق مع الزمن للحصول على تمويلات جديدة أو تسهيلات مالية، سواء عبر استثمارات مباشرة أو ودائع جديدة في البنك المركزي، وربما حتى عبر صفقات تبيع أصول الدولة لصالح صناديق خليجية.
الملفات الإقليمية ذريعة.. والاقتصاد هو المحرك الحقيقي
البيانات الرسمية تتحدث عن التنسيق في ملفات غزة وليبيا وأمن البحر الأحمر، لكن الواقع أن هذه القضايا مجرد غطاء لمحادثات تدور في جوهرها حول كيفية إنقاذ النظام من الانهيار الاقتصادي.
النظام الذي رهن أصول الدولة وأغرق البلاد في الديون لم يعد أمامه سوى باب الخليج، في ظل قطيعة مع الغرب وتوتر مع صندوق النقد الدولي بسبب التعثر في تنفيذ شروطه.
الرمزية المضللة لا تخفي الحقيقة
اختيار العلمين الجديدة لاستقبال محمد بن زايد محاولة لتلميع صورة النظام أمام ضيفه الخليجي، لكن هذه الرمزية لا تخفي أن مصر تعيش أسوأ أزماتها الاقتصادية منذ عقود.
المشهد الحقيقي ليس ناطحات السحاب في العلمين، بل طوابير المواطنين أمام المخابز، وارتفاع الأسعار بشكل جنوني، وهروب الاستثمارات المحلية.
واخيرا فان هذه الزيارة ليست خطوة سياسية متكافئة بين حلفاء، بل مؤشر على ارتهان القرار المصري للمال الخليجي.
السيسي الذي يرفع شعار "السيادة الوطنية" يطرق أبواب السعودية والإمارات بشكل متكرر لضمان البقاء في السلطة، حتى لو كان الثمن بيع الموانئ والشركات والأراضي لصالح صناديق سيادية خارجية.
في النهاية، من يتحكم في التمويل هو من يفرض الشروط، ومصر اليوم تدفع ثمن سياسات أهدرت كل مقومات الاستقلال الاقتصادي.