أثار الحوار الذي أجراه الدكتور أيمن نور، رئيس مجلس أمناء قناة الشرق وزعيم حزب غد الثورة، مع صحيفة الشرق الأوسط السعودية، جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية، ليس فقط لما حمله من رسائل سياسية حادة تجاه النظام المصري، بل أيضًا بسبب المنبر الذي نُشر فيه
الحوار، ما اعتبرته دوائر السلطة في القاهرة تطورًا خطيرًا يعكس تغيّرًا في المواقف الإقليمية تجاه نظام عبد الفتاح السيسي.

 

الغضب داخل النظام..لماذا الآن؟

مصادر مطلعة أكدت أن حالة من الاستياء سادت داخل أجهزة الدولة المصرية بعد نشر الحوار، إذ اعتبرته إهانة
مباشرة للسيسي، في وقت يواجه فيه النظام ضغوطًا اقتصادية خانقة وأزمات سياسية داخليةوخارجية.

فالحديث عن المعارضة المصرية في صحيفة سعودية ذات وزن سياسي وإعلامي لا يمكن أن يُقرأ إلا باعتباره رسالة واضحة من الرياض للقاهرة بأن زمن السيطرة المطلقة على المشهد الإعلامي قد انتهى.

الأخطر من ذلك أن الحوار تضمن انتقادات صريحة لسياسات السيسي، خاصة في الملفات الاقتصادية والحقوقية، وتحذيرات من انهيار البلاد تحت وطأة الاستبداد والفساد.

أيمن نور شدد على أن النظام يعيش عزلة سياسية غير مسبوقة، وأن استمرار القمع لن يجلب سوى المزيد من الانهيار.

 

ردود أفعال الخبراء والسياسيين: هل تغيّرت قواعد اللعبة؟

عدد من الخبراء اعتبروا أن نشر الحوار في الشرق الأوسط ليس خطوة عابرة، بل مؤشر على تآكل الدعم الخليجي
غير المشروط الذي تمتعت به القاهرة منذ 2013.

الباحث السياسي محمد المهدي قال إن"السعودية ترسل رسائل واضحة: لم يعد السيسي خطًا أحمر كما كان من قبل، والرياض بدأت تفكر في بدائل سياسية تحفظ مصالحها بعيدًا عن نظام أثبت فشله".

من جانبه، وصف الكاتب الصحفي المعارض جمال سلطان الأمر بأنه "صفعة قوية للنظام المصري"،معتبرًا أن مجرد منح مساحة لشخصية بحجم أيمن نور في صحيفة محسوبة على الدولة السعودية هو تحول كبير قد ينعكس على مستقبل العلاقات بين البلدين.

وأضاف: "هذا الحوار لميكن ليمر دون ضوء أخضر من مستويات عليا، وهو ما يفسر الغضب الهستيري في الإعلام المصري خلال الساعات الماضية".

 

ماذا يعني ذلك للمشهد السياسي المصري؟ 

المعارضة المصرية في الخارج رحّبت بالحوار باعتباره اختراقًا مهمًا في جدار العزلة الإعلامية المفروضةعلى الأصوات المعارضة.

نشطاء على مواقع التواصل اعتبروا أن ما حدث يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الضغط الإقليمي على السيسي، خاصة في ظل فشله في إدارة الأزمات الاقتصادية،وتراجع قدرته على الوفاء بالتزاماته المالية تجاه الداعمين الخليجيين.

أحد المحللين الاقتصاديين أشار إلى أن "الرياض لم تعد تثق في قدرة النظام على الإصلاح، خصوصًا مع تفاقمالديون وتزايد الاعتماد على القروض الدولية"، مضيفًا أن "الحوار رسالة مفادها أن زمن الشيكات على بياض قد انتهى".

 

النظام في مأزق.. والخيارات تضيق

في المقابل، يبدو أن النظام المصري استشعر الخطر الحقيقي من هذا التطور، إذ بدأت وسائل الإعلام الموالية حملة منظمة للتشكيك في الحوار، واتهام أيمن نور بالتآمر والتحريض.

لكن هذه الحملة تكشف أكثر مما تُخفي، فهي تعكس حالة من القلق داخل دوائر الحكم من إمكانية أن تتطور هذه
الإشارات إلى مواقف سياسية أكثر صرامة في المستقبل القريب.
السيسي الذي كان يراهن على الدعم الخليجي غير المحدود يجد نفسه اليوم أمام واقع جديد، عنوانه: فقدان
الثقة.

وإذا استمرت هذه التحولات، فقد تكون هذه مجرد بداية لسلسلة من الضغوط التي لنيستطيع النظام تحملها في ظل تآكل شعبيته داخليًا وانهيار الوضع الاقتصادي. 

وأخيرا فإن لقاء أيمن نور لم يكن مجرد حوار صحفي، بل رسالة قوية مفادها أن السقف الذي كان يحمي النظام بدأ يتصدع، وأن صوت المعارضة، مهما حاول السيسي خنقه، وجد طريقًا إلى أهم المنابر العربية.

هذه الرسالة وحدها كفيلة بإثارة الهلع في أروقة السلطة، خاصة مع إدراك الجميع أن المعركة لم تعد تدور فقط في الداخل، بل على طاولة الإقليم أيضًا.