في أحد شوارع محافظة الجيزة، يقف موظف خمسيني أمام محل جزارة صغير يتفحص قائمة الأسعار، قبل أن يقرر شراء كيلو واحد فقط من اللحم، بنبرة ممتزجة بين السخرية والخذلان يتساءل: "لماذا لا تنخفض أسعار اللحوم كما تعلن الحكومة؟
حتى الأسماك أصبحت أغلى من أي وقت مضى"، ثم يختصر الموقف بالمثل الشعبي: "أسمع كلامك أصدقك.. أشوف أمورك أستعجب".

على الجانب الآخر من الشارع، يرفع صاحب محل بقالة حاجبيه بدهشة حين يُسأل عن التخفيضات، قائلا: "عن أي تخفيضات تتحدث؟ الأسعار كما هي، وبعضها يرتفع، المصانع والشركات تمدنا بالبضائع بالأسعار القديمة من دون تغيير، ولا شيء يصل إلينا من تلك المبادرات سوى ما نسمعه في الإعلام".

هذا المشهد يلخص الفجوة بين التصريحات الرسمية والواقع المعيشي، حيث تبدو مبادرات خفض الأسعار محصورة في المنافذ الحكومية والسلاسل التجارية الكبرى، بينما لا يلمسها معظم المستهلكين في الأسواق التقليدية.
 

أمل معلق على المبادرات
تروج الحكومة لمبادرة جديدة شملت خفض أسعار نحو 640 سلعة أساسية بنسب تصل إلى 18%، بالتوازي مع تحسن قيمة الجنيه أمام الدولار بارتفاع تجاوز 2.5%، وانخفاض معدل التضخم السنوي إلى 13.9% في يوليو مقارنة بـ14.9% في يونيو الماضي.

لكن رغم هذه المؤشرات، يرى كثيرون أن أثر التخفيضات لم يتجاوز حدود المراكز التجارية الكبرى ومنافذ البيع الحكومية، بينما لا يزال المواطن ينتظر انعكاسها في الأسواق الشعبية التي تمثل مصدر التسوق الرئيسي للأسر.
 

ضغوط معيشية لا تهدأ
تشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن 31.1% من إنفاق الأسر يذهب إلى الطعام والشراب، فيما يواجه باقي الإنفاق – على السكن والمواصلات والصحة والتعليم – زيادات مستمرة لا تتناسب مع الدخول.

كما أظهر تقرير لمركز دعم واتخاذ القرار أن 64.4% من الأسر لا يكفي دخلها الشهري لتغطية احتياجاتها، ومع الحد الأدنى للأجور البالغ 7 آلاف جنيه قبل خصم التأمينات، تظل الفجوة بين الدخل والأسعار تتسع يوما بعد آخر.
 

رؤية التجار والمصنّعين
رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية أحمد الوكيل رهن نجاح المبادرة بضرورة التنسيق لإزالة العقبات التي ترفع تكلفة الإنتاج والتوزيع، ومنها:

  • تبسيط إجراءات تراخيص المحلات
  • مواجهة "الإتاوات" غير القانونية المفروضة من بعض المحليات
  • خفض تكاليف النقل والمرور
  • تحفيز القطاع الخاص لتقليل هوامش الربح

وكشف الوكيل أن بعض المحال تتحمل أكثر من 150 ألف جنيه لإصدار التراخيص، وهي أعباء تنعكس مباشرة على أسعار السلع.

في المقابل، يرى الخبير الاقتصادي ممدوح الولي أن مبادرات خفض الأسعار "حلول مؤقتة لا تعالج جوهر المشكلة"، إذ ترتبط غالبا بمواسم أو استحقاقات انتخابية، فيما يبقى الحل المستدام في زيادة الإنتاج، خفض التكلفة، تعزيز المكونات المحلية، وإلغاء الرسوم غير القانونية.