في مشهد أثار غضبًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي، تداول ناشطون قصة مأساوية لعثور المواطنين على جثة ملقاة في منتصف الطريق، ليكتشفوا بالمصادفة مرور موكب وزير الكهرباء المكوّن من أربع سيارات حراسة في نفس التوقيت. هذا المشهد، الذي يبدو اعتياديًا في عيون المسؤولين، حمل دلالات صادمة، ليس فقط لغياب الأولويات، بل أيضًا لعمق الفجوة بين حياة المواطن البسيط وما تنفقه السلطة على رفاهية مسؤوليها.
موكب "رفاهية" بلا مبرر أمني
السؤال الذي يطرح نفسه: هل يحتاج وزير الكهرباء، الذي لا يُصنّف كمنصب سيادي أو حساس أمنيًا، إلى أربع سيارات حراسة؟. الإجابة المنطقية: لا. لكن الواقع يقول عكس ذلك؛ إذ بات مشهد المواكب الضخمة والحراسات المشددة أمرًا شائعًا حتى للمناصب الأقل أهمية. هذه الظاهرة لم تعد مجرد بروتوكول أمني، بل تحولت إلى استعراض قوة وتكريس لفكرة النخبة المعزولة عن الشعب.
إذا افترضنا أن كل سيارة من سيارات الموكب تتكلف، من حيث الوقود والصيانة، ما لا يقل عن 5000 جنيه شهريًا، فإن الأربع سيارات تكلف الدولة 20 ألف جنيه شهريًا لوزير واحد فقط، بخلاف أجور الحراس ومصاريف الإقامة. وإذا ضممنا إلى ذلك بقية الوزراء البالغ عددهم أكثر من 30 وزيرًا، فإننا أمام فاتورة باهظة تقتطع من جيوب المواطنين في وقت يشكو فيه المصريون من ارتفاع الأسعار وتدهور الخدمات الأساسية.
العلمين: رفاهية المسؤولين على حساب الشعب
الأزمة لا تقف عند المواكب. فالمشهد يتسع أكثر عند النظر إلى المقر الحكومي الصيفي في مدينة العلمين الجديدة، حيث يقيم الوزراء مع عائلاتهم وحراسهم خلال فصل الصيف. هذا المقر الفاخر، المزود بكافة سبل الراحة والرفاهية، يمثل في نظر كثيرين رمزًا صارخًا لانفصال السلطة عن واقع المواطنين.
التكاليف هنا لا تقتصر على الإقامة فقط، بل تشمل النقل، التأمين، الخدمات اللوجستية، وصيانة المقرات الحكومية. وفي ظل غياب أي شفافية بشأن الميزانية المخصصة لهذه النفقات، يزداد غضب الشارع الذي يواجه يوميًا أزمات في الكهرباء والمياه والسلع الأساسية.
المفارقة المؤلمة: مواطن يموت في الطريق
ما يجعل المشهد أكثر استفزازًا هو التناقض الفج بين ما رآه المواطنون من استعراض للسلطة، وبين المأساة الإنسانية لجثة ملقاة في الشارع، ربما نتيجة حادث أو إهمال. هذا التناقض يلخص أزمة الأولويات في إدارة الدولة؛ حيث تُنفق المليارات على مظاهر الرفاهية والحماية، بينما تعجز الحكومة عن تأمين أبسط حقوق المواطن في حياة كريمة وخدمات أساسية.
فاتورة أمنية أم رفاهية شخصية؟
خبراء الاقتصاد يشيرون إلى أن هذه التكاليف، إذا جُمعت على مدار العام، تمثل عبئًا إضافيًا على ميزانية الدولة التي تعاني أصلًا من عجز مزمن. في المقابل، يمكن توجيه هذه الأموال لتطوير البنية التحتية، تحسين شبكة الكهرباء، أو دعم الفئات الأكثر احتياجًا. لكن يبدو أن ثقافة الامتيازات التي تترسخ في أوساط المسؤولين تمنع أي إصلاح حقيقي.
غضب شعبي يتزايد
ردود الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي كانت غاضبة، إذ تساءل المواطنون: "إذا كان وزير الكهرباء محاطًا بكل هذا الكم من الحراسة، فكيف يشعر بمعاناة الناس الذين لا يجدون كهرباء مستقرة ولا يستطيعون دفع فواتيرهم؟".
بعض التعليقات ذهبت إلى أبعد من ذلك، معتبرة أن المواكب والحراسات لا تهدف لحماية المسؤولين من أخطار حقيقية، بل لحمايتهم من غضب الشعب الذي يزداد كل يوم بسبب السياسات الاقتصادية القاسية.
أزمة ثقة تتعمق
القضية ليست في موكب وزير بعينه، بل في ثقافة السلطة المنفصلة عن الواقع. ففي وقت يعيش فيه ملايين المصريين تحت خط الفقر، لا يزال المسؤولون يعيشون في أبراج عاجية، ينفقون ببذخ على مظاهر فارغة، بينما يطالبون المواطنين بشد الأحزمة والتقشف.
إن هذا التناقض الصارخ يضع النظام أمام أزمة ثقة خطيرة، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة. فكيف يقتنع المواطن بالتقشف بينما يرى بعينيه مظاهر البذخ والرفاهية التي تتم على حسابه؟